١٠٩قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَقْسَمُوا بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}. قالوا: جهد أيمانهم: أيمانهم باللّه، فهذا يخرج على وجوه: أحدها: أن الحنث في اليمين يخرج مخرج الاستخفاف والتهاون، وإن كان المسلم لا يقصد قصد الاستخفاف باللّه تعالى، وإن كان في اليمين التعظيم، وفي الحنث استخفاف، ففي اليمين باللّه جهد اليمين. ويحتمل وجهين سوى هذا، وذلك ما قيل: إن الكفرة كانوا لا يحلفون باللّه إلا عند العظيم من الأمور، والجليل منها، وفي غير ذلك كانوا يحلفون بدونه؛ فسمي اليمين باللّه جهد اليمين؛ تعظيمًا للّه وتبجيلا. والثاني: يحتمل أنهم كانوا يحلفون بأشياء، ويؤكدون اليمين باللّه ويشددونه؛ كقوله: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا}. قيل: إنهم كانوا يقسمون جهد أيمانهم {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا}، كانوا يسألون رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - آيات: لئن جاءتهم ليؤمنن بها؛ من نحو ما قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}، وكقولهم: {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}، وغير ذلك من الآيات؛ فقال: (قُل) يا مُحَمَّد: {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللّه} هو الذي يرسلها وينزلها، وأنا لا أملك إرسالها ولا إنزالها؛ كقوله: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّه}، وغير ذلك من الآيات؛ إنباء منه أنه لا يملك إنزال ما كانوا يسألونه من الآيات، ثم قال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} واختلف فيه: قال الحسن وأبو بكر الأصم: إنه خاطب بقوله: {وَمَا يشُعِرُكُم} أهل القسم الذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها؛ فقال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ}، أي: ما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءكم آية ثم استأنف، فقال: {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}، وهكذا كان يقرؤه الحسن بالخفض: {إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} على الاستئناف والابتداء. وقال غيرهم من أهل التأويل: الخطاب لأصحاب رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ وذلك أنهم لما قالوا: {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا}؛ ظنوا أنهم لما أقسموا باللّه جهد أيمانهم أنهم يؤمنون إذا جاءتهم آية، يفعلون ذلك ويؤمنون على ما يقولون؛ فقال لهم: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}، على طرح لا، أي ما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون ويحتمل فيه وجهًا آخر غلى الإضمار، وكأنه قال: وما يشعركم فاعلموا أنها إذا جاءت لا يؤمنون على الوقف في قوله {وَمَا يشُعِرُكُم} ثم ابتدأ فقال: اعلموا أنها إذا جاءت لا يؤمنون، وهذا كأنه أقرب. ويحتمل وجهًا آخر: وهو أن أهل الإسلام قالوا: إنهم - وإن جاءتهم آية - لا يؤمنون؛ فقال عند ذلك: {وَمَا يشُعِرُكُم} خاطب به هَؤُلَاءِ {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}. والثاني: أنهم، وإن آمنوا بها، إذا جاءت؛ فنقلب أفئدتهم من بعد. وعلى هذا التأويل أن خلق تقلب أفئدتهم وأبصارهم كقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّه قُلُوبَهُمْ}، أي: خلق زيغ قلوبهم؛ فكذلك الأول. |
﴿ ١٠٩ ﴾