٨٥قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}. هو ما ذكرنا فيما تقدم، أي: أرسلنا شعيبا إلى مدين رسولًا. وقوله: {أَخَاهُمْ} قد ذكرنا فيما تقدم الأخوة وأنها تكون لوجوه: أخوة النسب، وأخوة الجوهر، وأخوة المودة والخلة، وأخوة الدِّين، فلا تحتمل أخوة الأنبياء أُولَئِكَ أخوة الدِّين والمودة، لكن تحتمل أخوة الجوهر والنسب. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}. قد ذكرنا -أيضًا- أن الرسل إنما جاءوا، وبعثوا بالدعاء إلى توحيد اللّه، والعبادة له، وأن لا معبود يستحق العبادة سواه. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}. قَالَ بَعْضُهُمْ: كانت نفس شعيب بينة وحجة لقومه لكنا لا نعلم ذلك، غير أنا نعلم أنه كانت معه آيات وبراهين، لكن اللّه لم يبين لنا ذلك، ونفس مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانت حجة وبينة بالأعلام التي جعلت له في نفسه؛ من ذلك الختم الذي كان بين كتفيه، والنور الذي كان في وجه من كان في صلبه وقت كونه فيه، والضوء الذي رُوِيَ أنه كان وقت ولادته، والغمام الذي أظله وقت غيبته عن أهله، وحفظه نفسه عن جميع ما كان يتعاطاه قومه من عبادتهم الأصنام وتعاطيهم الفواحش، فهو - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان بريئًا من ذلك كله، ولم يؤخذ عليه كذب قط، وقد كان نشأ بين أظهرهم، وغير ذلك من الأعلام التي كانت في نفسه ظاهرة لقومه، فلو لم يكن له آيات غيرها، لكانت واحدة منها كافية لمن لم يكابر، فكيف وقد كانت له آيات حسية وعقلية سوى ما ذكرنا تقهر المنصفين على قبولها! ويحتمل قوله: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: حجة على أنه رسول أو على توحيد اللّه. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} وذكر في هود في قصته: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ}، وليس في قوله: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} أنهم كانوا لا يوفون ولكن فيما ذكر في سورة هود. {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}. ودل قوله: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} وإن الأشياء ملك لهم، وإن كانت في قبض أُولَئِكَ، وفي أيديهم، ثم يحتمل الأمر بإيفاء الكيل والميزان وجوهًا: أحدها: لما كانوا أمناء؛ لئلا تذهب عنهم تلك الأمانة التي كانت لهم في قومه. والثاني: لئلا يظلموا الناس في منع حقوقهم وأموالهم. والثالث: للربا، كان ما منعوا منه من الكيل والوزن ربا لهم، يدل على ذلك قوله: {بِالْقِسْطِ} ذكر العدل، فلو كان يجوز تلك الزيادة والنقصان إذا طابت أنفسهم بالزيادة والنقصان، لكان لا معنى لذكر القسط فيه؛ لأن من زاد آخر على حقه لم يمنع عن ذلك، ولم يذم، دل النهي عن ذلك على أنه للربا ما منعوا عن ذلك، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}. أي: بعد أن جعلها لكم صالحة لمعاشكم ومقامكم فيها، أو بعد ما أمر وبين لكم ما به صلاحكم وصلاح دينكم، أو بعد ما أرسل من الرسل ما بهم صلاح الأرض وأهلها. {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}. قال بعض أهل التأويل: قوله: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}، أي: وفاء الكيل والميزان خير لكم من النقصان؛ لما ينمو ذلك الباقي ويزداد، فذلك خير لكم من النقصان الذي تمنعون، فلا ينمو شيئًا، وهو كقوله: {بَقِيَّتُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ}. ويحتمل: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، أي: أمنكم في الآخرة خير لكم من نقصان الكيل والميزان في الدنيا، واللّه أعلم. |
﴿ ٨٥ ﴾