سُورَةُ التَّوْبَةِ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} قال بعضهم من أهل التأويل: ذلك في قوم كان بينهم وبين رسول اللّه عهد على غير مدة مبينة، فأمر بنقض العهد المرسل وجعله في أربعة الأشهر التي ذكر في قوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}. وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي في قوم كان لهم عهد دون أربعة أشهر، فأمر بإتمام أربعة أشهر؛ ودليله قوله: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}. وقال أبو بكر الكيساني: الآية في قوم كانت عادتهم نقض العهد ونكثه؛ كقوله: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ}، فأمر أن يعطي العهد أربعة أشهر التي ذكر في الآية ثم الحرب بعد ذلك. وقَالَ بَعْضُهُمْ: لما نزل قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ} بعث رسول اللّه، عليا إلى الموسم ليقرأه على الناس، فقرأ عليهم: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ} من العهد غير أربعة أشهر {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. على ما ذكرنا حمل هَؤُلَاءِ كلهم قوله: {بَرَاءَةٌ} على النقض. وعندنا يحتمل غير هذا، وهو أن قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} في إمضاء العهد ووفائه، والبراءة هي الوفاء، وإتمامه ليس على النقض؛ لأنه قال: إلى الذين عاهدتم من المشركين والبراءة إليهم هي الأمان والعهد إليهم، ولو كان على النقض لقال: " من الذين عاهدتم من المشركين " فدل أنه هو إتمام إعطاء العهد إليهم، وإمضاؤه إليهم، ويؤيد هذا ما قال بعض أهل الأدب: إن البراءة هي الأمان؛ يقال: كتبت له براءة، أي: أمانًا؛ هذا الذي ذكرنا أشبه مما قالوا، أعني: أهل التأويل. |
﴿ ١ ﴾