٩١وقوله: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للّه وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) لو لم يذكر المرضى ولا الذين لا يجدون ما ينفقون، لكان المفهوم من قوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} المرضى والذي لا يجد ما ينفق. وكذلك إذا ذكر المريض كان في ذكره ما يفهم منه كل ضعيف، وكل ما لا يجد ما ينفق. وفي كل حرف من هذه الحروف ما يفهم منه معنى الآخر، فلما ذكر دل أن المراد من ذكر الضعفاء الزمنى؛ من نحو الأعمى والأعرج، فكان كقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ}، فتكون الآيتان واحدة؛ أعني: معناهما واحد. وفيه دلالة أن ليس في ذكر عدد من الأشياء حظر دخول غير المذكور في حكم المذكور إذا كان في معناه؛ ولهذا قال أصحابنا: إنه ليس فيما ذكر رسول اللّه عدد في الربا بقوله: " والحنطة بالحنطة، والذهب بالذهب، والفضل ربا " على أنه لا لمعنى ورد، ولا يدخل فيه ما لم يذكر؛ لما ذكرنا أنه لو ذكر الضعفاء لذكر المريض، والأعمى، والأعرج، وجميع من ضعف عن الخروج من أنواع الأعذار، ثم لم يدل ما ذكر من العدد وتخصيصه على أنه لا لمعنى ذكر؛ فعلى ذلك خبر الربا. ثم جعل العمى والعرج والمرض وعدم النفقة ونحوه عذرًا في ترك الخروج، ولم يجعل شدة الحر وبعد المسافة ونحوه عذرا بقوله: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا}. وأصله - واللّه أعلم -: أن كل ما لم يعمل في المنع عن الخروج لشهوة، أو لطمع يرجو نيله من التجارة ونحوها - لم يكن ذلك عذرًا في ترك الخروج؛ إذ شدة الحر وبعد السفر وخوف العدوّ مما لا يمنعهم عن الخروج للتجارة، فلم يصر ذلك عذرًا في التخلف عن الخروج للجهاد، وأما حال المرض والزمانة وعدم النفقة فيمنعهم ويعجزهم عن الخروج في كل ما يهوون ويشتهون، فصار ذلك عذرًا لهم بالتخلف عن الخروج للجهاد. والثاني: أن كل ما يقدر على دفعه بحال لم يجعل ذلك عذرًا في التخلف، وكل ما لا سبيل لهم إلى دفعه فهو عذر، والحر وبعد السفر وخوف العدو يجوز أن يدفع فيصير كأن ليس، وهو ما ذكر: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا}، فإذا ذكر شدة حر جهنم وبعد سفر الآخرة وأهواله، وإن عليه الخروج وسهل، فارتفع ذلك؛ فلذلك صار أحدهما عذرًا والآخر لا، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِذَا نَصَحُوا للّه وَرَسُولِهِ}. قيل: لم يخدعوا أحدًا في دينه، ولم يغشوه في دنياه. وقيل: {إِذَا نَصَحُوا للّه وَرَسُولِهِ}، أي: أطاعوا اللّه ورسوله في الحضرة، ولم يتركوا طاعته. وقوله: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} أي: ما على المحسنين من سبيل في تركهم الخروج إذا لم يقدروا على الخروج؛ لما ذكرنا من الزمانة وعدم ما ينفقون، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ}. بتركهم الخروج وتخلفهم عن الجهاد مع أصحاب الأعذار. |
﴿ ٩١ ﴾