٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤) دل قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} إن إخوة يوسف كانوا علماء وعيون الأرض، نجومًا يقتدى بهم ويهتدى؛ إذ بالنجوم يقتدى في الأرض، وبها يهتدون الطرق والمسالك.

ودل قوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} حيث - خرج على أبويه - أنه كان بهما جميع منافع الخلق؛ إذ بهما صلاح جميع الأغذية في الأرض، ونضج جميع الفواكه والأنزال، وجميع المنافع التي بالناس حاجة إلى ذلك.

ودل قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} أن الرؤيا تخرج على عين ما رأى، وتخرج على غيره بالمعنى الذي يتصل به؛ لأنه رأى الكواكب

 والشمس والقمر فخرج على إخوته وأبويه؛ كأن المراد بالكواكب والنجوم، غير الكواكب، وغير الشمس والقمر، وذلك لمعنى، وذكر السجود وخرج على عين السجود وحقيقته، وكذلك ما رأى إبراهيم في المنام ذبح ولده خرج الذبح على حقيقة الذبح هو ذبح الكبش، ورأى ابنه، وكان المراد منه الكبش، فهذا أصل لنا أن الخطاب يخرج والمراد منه على عين ذلك الخطاب لا غير، وقد يخرج لمعنى فيه، فإذا اتصل ذلك المعنى بغير، وجب ذلك الحكم.

وفيه جواز الاجتهاد وطلب المعنى في المخاطبات، وكذلك ما ظهر في الناس من تعبير الرؤيا على الاجتهاد، يدل على جواز العمل بالاجتهاد.

قال بعض أهل التأويل: إن يوسف لما قصَّ رؤياه على أبيه بين يدي إخوته قال له: هذه رؤيا النهار ليست بشيء.

وقال ليوسف في السر: إذا رأيت رؤيا بعد هذا، فلا تقصها على إخوتك.

لكن هذا كذب؛ فلا يجوز أن يكذب رسول اللّه يعقوب يقول له: رؤيا النهار ليست بشيء، ثم يعبر له في السر، ولا يتوهم على نبي من أنبياء اللّه الكذب، وهو كذب، فإن كان فهو بالأمر.

﴿ ٤