٢وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {اللّه الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ}. قوله: {رَفَعَ} أي: أنشأها مرفوعة؛ لا أنها كانت موضوعة فرفعها؛ ولكن جعلها في الابتداء مرفوعة، وكذلك قوله: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ}، {مَدَّ الْأَرْضَ}، {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}، ونحو ذلك؛ أي: أنشأها مرفوعة ممدودة؛ لا أنها كانت مرفوعها فوضعها، أو كانت منقبضة فبسطها؛ ولكن أنشأها كذلك. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}. قَالَ بَعْضُهُمْ: هي بعمد لكن لا ترونها؛ أي: ترونها بغير عمد وهي بعمد. وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي بغير عمد على ما أخبر؛ ولكن اللطف والأعجوبة بما يمسكها بعمد لا ترى؛ كاللطف والأعجوبة فيما يمسكها بغير عمد؛ لأن في الشاهد لم يعرف؛ ولا قدر على رفع سقف فيه سعة وبعد بغير عمد لا ترى، لكن ما يرفع إنما يرفع بعمد، ترى؛ فاللطف في هذا كاللطف في الآخر. وفيه دلالة قدرته على البعث؛ لأنه ذكر هذا ثم قال: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} أي: من: قدر على رفع السماء - مع سعتها وبُعدها - بلا عمد؛ لقادر على إعادة الخلق؛ وبعثهم؛ وإحيائهم بعد الموت، بل رفع السماء مع سعتها وبعدها، بلا عمد، أكبر من إعادة الشيء بعد فنائه؛ إذ في الشاهد من قد يقدر على إعادة أشياء بعد فنائها؛ ولا يقدر على رفع سقف؛ ذي سعة وبعد؛ بغير عمد. من ذا الوجه أمكن أن يحتج. واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}. لما لم يفهم من قوله: {سميعٌ عَلِيمٌ}، مدبر المكان؛ وإن كان في الشاهد يفهم منه المكان؛ إذا أضيف إلى المخلوق - لم يجز أن يفهم من استوائه أما يفهم من استواء الخلق. وبعد فإن في الشاهد؛ إذا قيل: فلان استولى أمر بلدة كذا؛ أو استوى أمره؛ لم يفهم منه المكان، بل فهم منه نفاذ الأمر والسلطان والمشيئة؛ فعلى ذلك لم يجز أن يفهم من اللّه إذا أضيف إليه المكان. وأصله: ما ذكرنا فيما تقدم أنه أخبر أنه ليس كمثله شيء؛ فهو في كل شيء؛ وكل وجه؛ لا يشبه الخلق؛ إذ الخلق - في الشاهد - لا يشبه بعضه بعضا من جميع الجهات؛ إنما يشبه بعضهم بعضا بجهة، ثم صاروا جميعًا أشكالا وأشباهًا؛ بتلك الجهة التي وقعت بينهم تشابه؛ فإذًا اللّه سبحانه وتعالى لما أخبر أنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، دل أنه إنما نفى عنه الجهات التي يقع بها التشابه والمثل؛ فهو يخالف الخلق من جميع الوجوه. وهذه مسألة مذكورة فيما تقدم: اختُلف في العرش: قَالَ بَعْضُهُمْ: العرش: هو الممتحنون بهم، استوى تدبير إنشاء غيرهم من العالم؛ لأنهم هم المقصودون في إنشاء ذلك كله. وقَالَ بَعْضُهُمْ: العرش: البعث به؛ استوى وتم تدبير إنشاء الخلائق؛ ما لولا البعث يكون إنشاؤهم عبثا باطلا؛ كقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} جعل عدم الرجوع إليه إنشاء الخلق عبثًا. وقَالَ بَعْضُهُمْ: العرش: هو الملك؛ وبه تم ما ذكر، وقيل: هو سرير الملك. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} على ما في العقل أنه عن تدبير مدبر خرج؛ وعن علم وحكمة وضع؛ ليس على الجزاف بلا تدبير ولا علم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} يحتمل: يبين الحجج والبراهين. ويحتمل: {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} أي: آيات القرآن أنزلها بالتفاريق؛ لا مجموعة. {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. هو ما ذكرنا أن فيما ذكر من الآيات والتدبير؛ ورفع السماء بلا عمد؛ دلالة البعث والإحياء بعد الموت. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ} هو كما ذكرنا في قوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} ومصير هم وبروزهم؛ وأمثاله. واللّه أعلم. |
﴿ ٢ ﴾