سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

قيل: مكية

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الر كِتَابٌ}: الر: كناية عن حروف مقطعة جعلها - بالحكمة - كتابًا.

{أَنْزَلْنَاهُ}: أي: جمعناها أوأنزلناها، وجعلناها كتابًا، أعني تلك الحروف المقطعة كتابًا؛ وأنزلناه إليك بعدما لم تكن تدري ما الكتاب؛ وهو كما قال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}؛

وقوله: {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}.

{لِتُخْرِجَ النَّاسَ}.

وما يضاف الإخراج إلى اللّه فإنه يكون بإعطاء الأسباب، وحقيقة ما يكون به الأفعال، وهي القدرة، وما يضاف الإخراج إلى الرسل؛ فإنه لا يكون إلا بإعطاء الأسباب؛ لأنه لا يملك أحد سواه إعطاء ما به يكون الفعل، ثم الأسباب تكون بوجهين:

أحدهما: الدعاء إلى ذلك.

والثاني: ما أتى بهم من البيان والحجة على ذلك؛ فهو الأسباب التي يملك الرسل إتيانها، وأما ما به حقيقة الفعل؛ فإنه لا يملكه إلا اللّه.

وقوله: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} قيل: من الكفر إلى الإيمان، سمى الكفر: ظلمات؛ وهو واحد؛ لأنه يستر جميع منافذ الجوارح؛ من البصر والسمع واللسان؛ يبصر ما لا يصلح؛ ويسمع ما لا يصلح، وكذلك القول: يقول ما لا يصلح، وكذلك جميع الجوارح والإيمان يرفع ويكشف جميع الحجب والستور؛ ويضيء له كل مستور.

والثاني: قوله: {مِنَ الظُّلُمَاتِ} أي: من الشبهات إلى النور؛ أي: إلى الإيمان والهدى.

وقوله: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} الإخراج المضاف إلى اللّه والهداية تخرج

 على وجوه أربعة:

أحدها: يأمر ويدعوهم إلى ما ذكر.

والثاني: يكشف ويبين.

والثالث: يرغب ويرهب، حتى يرغبوا في المرغوب ويحذروا المرهوب.

والرابع: تحقيق ما يكون به الهداية، وذلك لا يكون إلا باللّه؛ وهو التوفيق والعصمة، وأما الوجوه الثلاثة الأُول فإنها تكون برسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ يأمر ويدعو؛ ويرغب ويرهّب؛ وببين ويكَشف. واللّه أعلم.

وقوله: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ} كأنه قال: كتاب أنزلناه إليك؛ لتأمر الناس بالخروج مما ذكر إلى عا ذكر.

الثاني: أنزلناه لتخرج به الناس مما ذكر.

{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}.

قيل: بأمر ربهم؛ أي: تدعوهم بأمر ربهم.

وقال قائلون: بعلم ربهم؛ أي: أنزل هذه الحروف المقطعة بعلمه.

والثالث: يحتمل بتوفيق رجهم الإذن من اللّه، يحتمل أحد هذه الوجوه التي ذكرنا: الأمر والعلم والتوفيق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.

{الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} هو اللّه؛ أي: يدعوهم إلى طريق أللّه الذي من سلكه نجا.

{الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} سمى عزيزًا؛ لأن كل عزيز به يعز، أو يقال: عزيز؛ لأنه عزيز بذاته ليس بغيره كالخلائق، أو العزيز: هو الذي لا يغلب، والحميد: هو الذي لا يلحقه الذم في فعله؛ كالحكيم: هو الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره.

وقال أهل التأويل: العزيز: المنيع، والحميد: الذي هو يقبل اليسير من العبادة.

﴿ ١