١٨

قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٨)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} هو - واللّه أعلم -: على التقديم أوالتأخير؛ أي: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد اشتدت به الريح.

ثم تحتمل {أَعْمَالُهُمْ}: الأعمال التي كانت لهم في حال إيمانهم، ثم كفروا، بما أحدثوا من الكفر؛ أبطل ذلك الأعمال الصالحة في الإيمان؛ وهو ما ذكر: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}.

أو يكون محاسنهم التي كانت لهم في حال الكفر؛ طمعوا أن ينتفعوا بتلك المحاسن في الآخرة؛ فما انتفعوا بها؛ فصارت كالرماد الذي تذروه الريح الشديدة؛ لم ينتفع صاحب ذلك الرماد به بعد ما عملت به الريح ما عملت؛ فعلى ذلك: الأعمال الصالحة التي عملوها في حال كفرهم، أو أعمالهم الصالحة التي كانت لهم في حال الإيمان؛ ثم أحدثوا الكفر - لا ينتفعون بها.

وقال في آية أخرى: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}، فيشبه أن يكون هذا في أعمالهم السيئة في أنفسها فرأوها صالحة حسنة؛ كقوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}، فشبه ما كان في نفسه سببًا بالسراب؛ لأنه لا شيء هنالك؛ إنما يرى

 خيالا، فعلى ذلك: أعمالهم السيئة في أنفسها فرأوها حسنة صالحة، وما كان وما شبه بالرماد - فهي أعمالهم الصالحة في أنفسها؛ لكن الكفر أبطلها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ}.

اليوم لا يكون عاصفًا؛ ولكن على الإضمار؛ كأنه قال: في يوم فيه ريح عاصف، كقوله: {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}، النهار لا يبصر ولكن يُبصَر فيه أو يُبصَر به.

والعاصف: قيل: هو القاصف الكاسر الذي يكسر الأشياء. أو يكون قوله: {اشْتَدَّتْ بِهِ}، والعاصف والقاصف - حرفان يؤديان جميعًا معنى واحد.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} كالرماد الذي ذكرنا أن صاحبه لا يقدر به بعدما عملت به الريح وذرته. واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}.

يحتمل: ذلك الكفر هو الضلال البعيد؛ لا نجاة فيه أبدًا.

أو ذلك الكفر الذي أتوا به بعيد عن الحق واللّه أعلم.

﴿ ١٨