٣٢

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {اللّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} إلى آخر ما ذكر. فيه دلالة أن تدبير اللّه محيط متسق بجميع ما في السماوات والأرض، وعلمه محيط بجميع الخلائق؛ حيث ذكر أنه:، {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} يعني البشر، جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض؛ مع بعد ما بينهما؛ دل أنه عن تدبير، فعل هذا وعلم، وأنه تدبير واحد؛ عليم؛ قدير.

ثم ما ذكر: من تسخير السماوات والأرض؛ مع شدة السماء وصلابتها، وغلظ الأرض وكثافتها، وتسخير البحر؛ مع أهواله وأمواجه، وتسخير الأنهار الجارية، وتسخير الشمس، والقمر، والليل، والنهار لهذا البشر.

في ذلك كله وجهان:

أحدهما: يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم؛ من المنافع التي جعل لهم؛ في تسخير هذه الأشياء التي ذكر لهم؛ على جهل هذه الأشياء أنهن مسخرات لغيرهن؛ يستأدي بذلك شكرها.

والثاني: يذكر سلطانه وقدرته؛ حيث سخر هذه الأشياء؛ مع شدتها، وصلابتها، وغلظها، وأهوالها. ومن قدر على تسخير ما ذكر - قادر على البعث والإحياء بعد الموت.

ويحتمل ما ذكر؛ من تسخير الأشياء التي ذكر: أنه أنشأ هذه الأشياء مسخرة مذللة لنا، والثاني: سخر لنا؛ أي: علَّمنا من الأسباب والحيل التي يتهيّأ لنا الانتفاع بها والتسخير.