٤١وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١) طلب من ربه المغفرة لوالديه. قال الحسن: إن أمَّه كانت مسلمة، وأما أبوه: فكان كافرًا؛ لأنه قال: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ}، فخص والده بالضلال؛ دل أن أمه كانت مسلمة؛ لكنا لا نعلم ما حال الأم: أمه كانت مسلمة أو كافرة، وأما أبوه فهو لا شك أنه كان كافرًا. ثم لا يحتمل دعاؤه لوالديه؛ وهما كافران؛ إن كانت أمه كافرة؛ إلا على إضمار الإسلام؛ أي: اغفر لهما إن أسلما، أو أن يكون سؤاله المغفرة لهما سؤال الإسلام نفسه، أو أن يكون طلب منه الستر عليهما في الدنيا، وألا يفضحهما ولا يخزيهما، لكنه سأل المغفرة يوم يقوم الحساب. ولا يحتمل طلب الستر إلا أن يفصل بين قوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} ووبين قوله: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} يبتدئ بالمؤمنين يوم يقوم الحساب، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ودعاء إبراهيم وسؤاله المغفرة لوالديه يكون سؤال السبب؛ الذي يستحقان به المغفرة من ربها، ويكونان أهلا لها؛ وهو التوحيد ومعرفة المولى؛ وهو ما ذكرنا في أمر نوح قومه الاستغفار له، وكذلك قول هود؛ حيث قال: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ. . .} الآية، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}. يحتمل قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}: بالعدل؛ يقول الرجل لآخر: أقم حسابي أي: اعْدل فيه. وإقامة الحساب: العدل فيه؛ على ما توجبه الحكمة، لا يزاد ولا ينقص؛ كقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ}، قَالَ بَعْضُهُمْ: {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}: يوم يحاسبون، قيام الحساب: هو المحاسبة نفسها واللّه أعلم. ويحتمل قوله: {إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} كانت له حاجات أخفاها، طلب قضاءها؛ فقال: تعلم حاجاتي؛ أخفيتها، أو أعلنتها فاقضها لي، أو أن يكون قومه طعنوا في شيء؛ فقال ذلك على التبري من ذلك؛ إنه يعلم ما نخفي وما نعلن، ولم يعلم ذلك الذين يطعنون في {مِنِّي} واللّه أعلم؛ كقول عيسى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}، أو أن يكون قال ذلك؛ لأن أهل الأديان جميعًا كانوا يوالون إبراهيم ويدعون أنه على دينهم؛ ولذلك قال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا. . .} الآية. برأه اللّه مما ادعى كل فريق. ثم منهم؛ من كان من هذه الفرق؛ يدعون الأسرار عن اللّه والإخفاء عنه؛ فقال هذا ليعلم الناس توحيده؛ أنه لا يخفى عليه شيء؛ أُخفي أو أعلن؛ ليعرفوا توحيده أنه ليس شيء يخفى عليه. واللّه أعلم. |
﴿ ٤١ ﴾