٤٢

(إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ (٤٣)

قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا كله يرجع إلى الطرف والبصر؛ يقول: شاخصة أبصارهم مهطعين: ناظرين إليه؛ أي: إلى الداعي، مقنعي رءوسهم: رافعي رءوسهم، لا يرتد إليهم طرفهم؛ لهول ذلك اليوم، هذا كله يصرفون إلى الأبصار دون النفس؛ لأن الإهطاع والإقناع: هو للنظر ولشخوص الأبصار.

ومنهم من صرف قوله: {تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}، و {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} إلى البصر، وصرف قوله: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} إلى الأنفس؛ وهو ما ذكر في موضع آخر: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}، أي: مسرعين إليه الإجابة؛ رجاء التخلص والنجاة عما حل بهم؛ بترك الإجابة.

والإهطاع: قيل: هو النظر الدائم، والإقناع: هو الرفع؛ رفع الرءوس، مهطعين: أي: مديمي النظر، مقنعي رءوسهم أي: رافعيها، وعلى تأويل بعضهم: مسرعين؛ على ما ذكرنا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}: أي: رافعيها؛ ملتزقة إلى أعناقهم.

وقوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللّه غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}. يخرج على وجهين:

أحدهما: يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللّه غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}، وقت خلقه الخلق وإنشائهم؛ عما يكون منهم من الظلم؛ أي: لا عن غفلة وسهو عن ظلم الظالمين أنشأهم وخلقهم؛ ولكن على علم بما يكون منهم أنشأهم وخلقهم؛ لكن أنشأهم على علم منه؛ بذلك؛ لأن منافع ما يكون منهم وضرره يرجع إليهم؛ فلم يخرج إنشاؤه إياهم على علم منه ذلك، عن الحكمة.

والثاني: ما ذكرنا أن تأخيره العذاب عنهم - ليس لغفلة منه بذلك؛ ولكن لما في أخذهم بالعذاب وقت صنيعهم زوال المحنة؛ لأنه يصير العذاب والثواب مشاهدة. واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}.

قيل: خالية؛ لهول ذلك اليوم؛ أي: خالية عن التدبير؛ لأن في الشاهد أن من بلي ببلايا وشدائد يتدبر ويتفكر في دفع ذلك؛ فيخبر أن أفئدتهم هواء يومئذ: أي: خالية عن التدبير؛ إذ أفئدتهم لا تكون معهم؛ لشدة أهواله.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أي: لا شيء فيها؛ ما ينتفعون بها، وهكذا الهواء - هواء كل شيء - يوصف بالخلاء عن كل شيء. واللّه أعلم.

﴿ ٤٣