٦وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) أي: الغلبة والهلاك عليهم. {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}. أي: أكثر رجالًا منكم - قبل ذلك - وعددًا، ثم إذا عصوا ثانيًا، وكفروا بربهم سلط اللّه عليهم قومًا آخرين! فدمروا عليهم، فذلك قوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ}. الهلاك والتدمير، أي: موعود الآخرة. {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ}. ثم وعد لهم الرحمة إن تابوا ورجعوا عن ذلك بقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}. ثم أوعدهم العود إليهم بالعقوبة بقوله: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}، أي: وإن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالعقوبة. ثم قول أهل التأويل: إنه سلط عليهم بختنصر وجالوت ثم فلانا وفلانًا - فذلك لا يعلم إلا بالخبر عن رسول اللّه، وليس في الآية سوى أنه بعث عليهم {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}؛ فلا يزاد على ذلك إلا بالخبر، سوى أنه ذكر هذا لنا، وفيه وجوه من الحكمة: أحدها: ما ذكرنا من إثبات نبوة مُحَمَّد ومن صدق رسولهم؛ حيث حذرهم العقوبة بعصيانهم، فكان كما قال. وفيه تحذيرنا عن مثل صنيعهم؛ لأنهم ليسوا بذلك أَوْلى من غيرهم. وقَالَ الْقُتَبِيُّ: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ}، أي: عاثوا بين الديار، وأفسدوا. ويقال: جاسوا، وحاسوا. {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ}. أي: الدولة. وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: {أَكْثَرَ نَفِيرًا}. أي: عددًا، وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: {أَكْثَرَ نَفِيرًا}: هو من الخروج والنفر، ومعناه: أكثر عددًا، وقال أبو عبيدة: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ}: معناه، أي: فقتلوا في ديارهم. وقال قتادة: النفير: الْمُقاتِلَة الذين يستنفرون للقتال، أي: لو استنفرتم أنتم، واستنفر أُولَئِكَ كنتم أكثر منهم. ثم جاء قوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} إلى قوله: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ}، معلوم أنه لم يكن في كتابهم هذا اللفظ: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ}؛ {فَجَاسُوا} - على الابتداء، ولكن كان - واللّه أعلم -: إذا جاء وعد أولاهما لنبعثن عبادًا أولي بأس شديد يتجسسون أو يجوسون، لكنه خاطب بهذا - واللّه أعلم - الذين كانوا بحضرة رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن كانوا هم لم يفعلوا ما ذكر؛ لكن لما فعل أوائلهم خاطب هَؤُلَاءِ؛ لما كانوا يفتخرون بأوائلهم ويقولون: هم أبناء اللّه وأحباؤه، فيذكر هَؤُلَاءِ نعمه التي أنعم على أُولَئِكَ، ويحذرهمْ صنيعهم، وهو ما خاطبهم بقوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ. . .} وقوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}، ونحوه: خاطب هَؤُلَاءِ الذين كانوا بحضرة رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعاتبهم على صنيع أُولَئِكَ وفعلهم؛ وإن كان هَؤُلَاءِ لم يقولوا ذلك لما رضوا بصنيع أُولَئِكَ وفعلهم؛ استئداء منهم الشكر؛ لما أنعم على أُولَئِكَ، وتحذيرًا لهم عن مثل صنيعهم، واللّه أعلم. |
﴿ ٦ ﴾