١٨

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}.

يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: أنهم كانوا يعملون بأعمالهم الحسنة في حال كفرهم من نحو الإنفاق والصدقات وبذل الأموال، وغير ذلك - يريدون بذلك العز والشرف والذكر في الدنيا؛ فأخبر أنه من أراد بما يفعل ذلك {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}.

والثاني: يكون قوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ}، أي: لا يريد بها إلا جمع الأموال وسعتها {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}، ثم أخبر أنه لا كل من أرادها يعجل له ذلك، ولا كل ما أراد يعجل له ذلك؛ ولكن إنما يعجل ما أراد اللّه ولمن أراد شيئًا يعطي له ذلك، ثم أخبر عما يعطي في الآخرة من أراد العاجلة فقال:

{ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا}.

أي: مذمومًا: يسمى بأسماء قبيحة دنية مذمومة عند الخلق، أو يذم ويلام في النار، {مَدْحُورًا}: مطرودًا من الأسماء الحسنى ومن الخيرات، أو مبعدًا عن رحمته.

وقوله: {مَذْمُومًا}: عند نفسه، أي: يذم نفسه يومئذ، أو مذمومًا عند الملائكة والخلق جميعًا.

وفي قوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} وجهان:

 أحدهما: يحتمل أن يكون أراد بإهلاكه إياهم موتهم بآجالهم. يقول: هم كانوا عددًا قليلًا زمن نوح، ثم كثروا حتى صاروا قرونًا، ثم ماتوا حتى لم يبق منهم أحد.

ويحتمل أن يكون الإهلاك - هاهنا - إهلاك استئصال: فهو يخرج على وجهين:

أحدهما: أنه قد استووا في هذه الدنيا - أعني العدو والولي - وفي الحكمة: التمييز بينهما والتفريق؛ فلا بد من دار يفَرَّق بينهما فيها ويميز.

والثاني: قد هلكوا جميعًا، وفي العقل والحكمة إنشاء الخلق للإفناء خاصة بلا عاقبةٍ تقصد - عبثٌ باطل؛ فدل أن هنالك دارًا أخرى هي المقصودة حتى صار خلق هولاء حكمة، وفيه إلزام البعث.

﴿ ١٨