٢٥وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ (٢٥) قال بعضسهم: قوله: {أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} من أسرار المحبة لهما والبر والكرامة. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ}، أي: أعلم ما تفعله نفوسكم، وهو كما قال عيسى - عليه السلام -: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}، أي: تعلم ما تفعله نفسي، ولا أعلم ما في نفسك من التدبير والتقدير؛ فعلى ذلك هذا. وجائز أن يكون قوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} - صلةَ قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ. . .} الآية، أي: ربكم أعلم بما في ضميركم: من الاستقذار إياهما، والاستثقال، والكراهة إذا بلغا المبلغ الذي ذكر، ولكن لا تظهر ذلك لهما ولا يوافق ظاهرك باطنك. أو أن يقول: ربكم أعلم بما في نفوسكم أولا يعلم غيره ما في نفوسكم؛ فلا تراءون الناس بما في قلوبكم؛ ولا تصرفوا ما في ضميركم إلى من لا يعلم ذلك؛ يخاطب الكل على الابتداء ألا يجعل ما في قلبه لغيره؛ بل يخلص له، أو أن يكون قوله: أي: ما تفعله أنفسكم وتدبّرها. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ}. أي: تصيروا صالحين؛ لأن قوله: {تَكُونُوا} إنما هو في حادث الوقت. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}. يشبه أن يكون قوله: {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ} صلة قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، و {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} أي: لم يزل غفورًا للأوابين ولمن يشاء. ثم اختلف في الأواب: قَالَ بَعْضُهُمْ: الأواب: الرجَّاع التواب، وهو قول أبي عَوْسَجَةَ. قَالَ الْقُتَبِيُّ: الأواب: التائب مرة بعد مرة، وهو من: آب يئوب، أي: رجع، وهما واحد. وقَالَ بَعْضُهُمْ: الأواب: المطيع، وقيل: المسبح ونحوه. وقال أَبُو عَوْسَجَةَ في قوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}، أي: لِنْ لهما وارفق بهما؛ ذكر بر اللسان للوالدين ولطفه إياهما قولًا وفعلًا، وليس في ظاهر الآية ذكر البر بالمال والإنفاق عليهما؛ فيشبه أن يكون ذلك داخلًا في قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، أو لم يذكر ذلك؛ لما أن المال للولد مال لهما؛ ألا ترى إلى ما روي عن جابر بن عبد اللّه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ومعه أبوه فقال: يا رسول اللّه، إن لي مالًا، وإن لي أبًا وله مال، وإن أبي يريد أن يأخذ مالي؛ فقال النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ " أَوَلَا ترى - أيضًا - أنه أضاف بيوت الولد إليهما؛ حيث قال: {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ}؛ قوله: {مِنْ بُيُوتِكُمْ} - معناه: بيوت أبنائكم. وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}: إنه صلاة الضحى، ويروى في ذلك خبر: روى زيد بن أرقم قال: خرج النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على قوم وهم يصلون الضحى؛ فقال: " صَلَاةُ الأَوابِينَ، إِذَا رَمَضَتِ الفِصَالُ "، وفي خبر آخر عن أبي هريرة - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: أمرني رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بثلاث: " أمرني أن أصوم ثلاثًا في كل شهر، وألا أنام إلا على وتر، وأن أصلي ركعتي الضحى، فإنها صلاة الأوابين "، وقد يروى أحاديث كثيرة في الحث على صلاة الضحى وفعلها، وأنه صلى هو: ركعتين، وأربعًا، وستا، وثمانيًا - ما يكثر ذكرها ويطول، ومن صلاها فإنما صلاها على سبيل التطوع، ليس على سبيل اللزوم الواجب والسنة المؤكدة؛ لأن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صلاها مرة وتركها مرة؛ فكان كصلاة الليل يدرك فاعلها الفضل. |
﴿ ٢٥ ﴾