سُورَةُ الْكَهْفِ

مَكِّيَّة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}:

تأويل الحمد هاهنا وفي أمثاله - واللّه أعلم - أي: حق الحمد للذي منه وصلت إلى كل أحد نعمة أي: أنها وصلت على أيدي من وصلت إلى كل من وصلت فإن حق الحمد والثناء له في تلك النعمة وإن حمد من دونه؛ إذ منه ذلك، لا من الذي وصلت على يده، وأن الذي وصلت على يديه كالمستعمل له؛ فحق الحمد والثناء له لا من دونه.

أو أن يكون قوله: {الْحَمْدُ للّه} أي: قولوا: له الحمد والثناء؛ لأنه في جميع ما ذكر الحمد له ألحق به شيئًا: إما قدرته وسلطانه، وإما نعمه التي أنعم على الخلق كقوله: {الْحَمْدُ للّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. . .} الآية.

{الْحَمْدُ للّه فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. . .} الآية، و {الْحَمْدُ للّه الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}.

وقوله: {الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} ونحوه.

ما ذكر الحمد لنفسه والثناء إلا ذكر على أثره ما قدرته وسلطانه.

وأما نعمه، فما كان المذكور على أثره النعمة فهو يستأدي به شكره وحمده.

وإن كان الملحق به القدرة والسلطان فيخرج القول منه مخرج الأمر بالتعظيم له والهيبة والإجلال، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا} أي: لم يجعله عوجًا، ويجوز زيادة اللام في مثله؛ كقوله: {رَدِفَ لَكُمْ}، وردفكم؛ هذا جائز في اللغة ثم قوله: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا} أي: لم يجعله عوجًا، وهو يخرج على وجهين:

 أحدهما: على التقديم والتأخير على ما قاله أهل التأويل، أي: أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعله عوجًا.

والثاني: على زيادة (بل) كأنه قال: (أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا بل جعله قيمًا)؛ على أحد هذين الوجهين يخرج واللّه أعلم.

ثم قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا} إذا لم يكن عوجًا كان قيمًا، وإذا كان قيمًا كان غير عوج، في كل واحد من الحرفين معنى الآخر، إلا أن من عادة العرب تكرار الكلام وإعادته على التأكيد، كقوله: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}، وإذا كن مسافحات لم يكن محصنات، حرفان مؤديان معنى واحدًا، إلا أنه كرر، لما ذكرنا أن من عادة العرب التكرار، وكذلك ما ذكر: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} البأس: هو الشديد، والشديد هو البأس، هما واحد، فعلى ذلك الأول.

ثم اختلف في قوله {قَيِّمًا}

قَالَ بَعْضُهُمْ:

القيم: هو الشاهد، أي: القيم على الكتب المتقدمة، والشاهد عليها في الزيادة والنقصان، وفي التغيير والتحريف يبين ما زادوا فيها، وما نقصوا وما حرفوه، وما غيروه، كقوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ. . .} الآية.

وقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}.

وقوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا. . .} الآية. كانوا يحرفون نظمه ورصفه، ومنهم من كان يحرف أحكامه وشرائعه؛ فهذا القرآن شاهد، وقيم في بيان ما فعلوا.

﴿ ١