٢
وقوله
- عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢) لا يحتمل أن يكون هذا نزل على الابتداء من غير سبب ولا أمر، لكنه لم يبيّن
السبب الذي به نزل هذا، فيحتمل أن يكون سببه وجوهًا: أحدها: ما حمل نفسه من الشدائد والمؤن العظام، وأجهد نفسه في ذلك؛ فنزل: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}، أي:
لتتعب به نفسك، كقوله:
{فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} أي:
تتعب؛ ألا ترى أنه قال:
{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى}. والثاني: أنه لما كف نفسه عن الشهوات ومنعها عن جميع ما تهواه من اللذات،
فقال أُولَئِكَ الكفرة:
إنه شقي؛ حيث رأوه لم يعط نفسه شيئًا من شهواتها ولذاتها. والثالث: أنهم قالوا ذلك لما رأوه أنه دعا الفراعنة والجبابرة إلى دينه
واتباعه، وأظهر لهم الخلاف، واستقبلهم بما يكرهون، وكانت عادتهم القتل وإهلاك من
يظهر لهم الخلاف، فخاطر بذلك، فعند ذلك قالوا: إنه شقي؛ حيث يخاطر بنفسه، فقال: {مَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}
على ما يقول أُولَئِكَ، بل أنزله عليك؛ لتسعد
حيث أخبر أنه عصمه بقوله:
{وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
أو ألا يفسر ولا يذكر ذلك الأمر والسبب
الذي به نزل؛ لأنه لم يبيِّن، ولا حاجة بنا إلا إلى معرفة ما ذكر، وهو قوله: {إِلَّا
تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}، أي: {مَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}،
بل أنزلناه لتسعد، وأنزلناه ليتذكر به من يخشى، كقوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ
وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}. |
﴿ ٢ ﴾