سُورَةُ النُّورِ

كلها مدنية

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا}.

سماها سورة، وجعل تلاوتها سورة، ولم يجعل لغيرها من السور التلاوة سورة، كما جعل لها، ذلك جائز؛ لكثرة ما فيها من الأحكام: من الفرائض، والآداب: ما بالناس إلى ذلك حاجة، أو لمعنى لم يذكره، أو لا لمعنى، ولكنه ذكر هكذا، وله الخلق والأمر.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: السورة: القطعة من كل شيء؛ تقول: سورت الشيء، أي: قطعته.

وقال بعض العلماء: إنما سمي القرآن لجماعة السور، وسميت السورة مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمي قرآنا؛ كقوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}. أي: تأليف بعضها إلى بعض، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، أي: فإذا جمعناه وألفناه، فاتبع قرآنه، أي: ما جمع فيه فاعمل به: من أمر أو نهي، ويقال: ليس لشعره قرآن، أي: نظم وتأليف، ويقال للمرأة: ما قرأت سلى قط، أي: لم تجمع في بطنها ولدًا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: سورة - بلا همز - أي: المنزلة والرفعة، وبالهمز: سؤرة: البقية، ومنه سمي: سؤر الكلب، وسؤر الهر، وسؤر الطائر، أي: بقيته والقطعة منه.

ثم قرئت بالنصب: {سُورَةً أَنْزَلْنَاهَا}، والرفع جميعًا: {سُورَةٌ}، وهي القراءة الظاهرة.

فمن قرأها بالنصب أوقع الفعل عليها، أي: أنزلنا سورة، والفعل إذا وقع على شيء انتصب - تقدم الفعل أو تأخر - كقولك: زيدًا ضربناه، وضربنا زيدًا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنما انتصب لإضمار فيه كأنه قال: اتبعوا سورة، أو: اذكروا سورة أنزلناها؛ كقوله: {نَاقَةُ اللّه}، أي: احذروا ناقة اللّه.

ومن قرأ بالرفع: على الابتداء، فكل ما يبتدأ به فهو رفع.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: رفع على إضمار: هذه سورة أنزلناها، وذلك كله جائز في اللغة، واللّه أعلم.

وقوله: {وَفَرَضْنَاهَا}.

قرئ بالتخفيف: {وَفَرَضْنَاهَا}، وبالتشديد: {وَفَرَّضْنَاهَا}، قال الزجاج: قوله {وَفَرَّضْنَاهَا}، بالتشديد، يخرج على وجهين:

 أحدهما، أي: كثرنا فيها الفرائض والأحكام.

والثاني: (وفَرضناها)، أي: فصلنا فيها بين ما يؤتى وبين ما يتقى، وبين ما أمر فيها وبين ما نهي.

وقال: وأما التخفيف: {وَفَرَضْنَاهَا}، أي: الزموا ما فيها من الفرائض وآدابها.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: فرضنا، بالتخفيف، أي: بينا فيها الفرائض.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: من قرأها بالتخفيف: {وَفَرَضْنَاهَا}، أي: أنزلنا فيها فرائض مختلفة، ومن قرأها: {وَفَرَّضْنَاهَا}، بالتشديد، يقول: فرضناها عليكم وعلى من بعدكم؛ على التكثير، واللّه أعلم.

وقوله: {وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}.

يحتمل قوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}، أي: حججًا بينة يفهمها ويعرفها كل أحد بالبديهة والتأمل.

أو أن يريد بالآيات: الآيات التي جمع فيها أشياء وتتلى؛ لأن الآية إنما تستحق اسم الآية إذا جمع فيها كلمات وحروف، فأما كلمة واحدة وحرف واحد فلا يسمى بهذا الاسم.

أو أن يكون قوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}: ما ذكر فيها وبين مما يؤتى ويتقى، وبين ما يحل وما يحرم؛ فذلك كله مبين، واللّه أعلم.

وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، أي: تتعظون بما ذكر فيها من المواعظ، وبين فيها ما يزجر عن المعاودة، وهي الحدود التي ذكر فيها؛ لأن سبب الاتعاظ أحد شيئين: المواعظ التي تلين القلوب، والحدود التي تزجر.

﴿ ١