٦وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّه إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) روي عن ابن عَبَّاسٍ، قال: لما نزلت هذه الآية قال عاصم بن عدي الأنصاري: إن دخل منا رجل بيته فوجد وجلاً على بطن امرأته، وأراد أن يخرج فيجيء بأربعة رجال شهود؛ ليشهدوا على ذلك - قضى الرجل حاجته وخرج، وإن هو عجل فَقَتل قُتِل به، وإن هو قال: وجدت فلانا مع فلانة، ضرب به الحد، ولاعنَ امرأته، وإن سكت سكت على غيظ!! ". فذكر أنه ابتلي بذلك من بين الناس؛ فأتى رسول اللّه فأخبره بذلك، وقال: وجدت فلانا على بطنها؛ فأرسل رسول اللّه إلى امرأته وإلى فلان، فجمع بينهما وبين عاصم فقال للمرأة: ويحك، ما يقول زوجك؟! قالت: يا رسول اللّه، إنه لكاذب؛ ما رأى شيئًا من ذلك، ولكنه رجل غيور؛ فذلك الذي حمله على أن يتكلم بالذي تكلم، فكان فلان ضيفا عنده بدخل ويخرج علي وهو يعلم ذلك، فلم ينهني عن ذلك ساعة من ليل ونهار أن يدخل علي؛ فسأله عن ذلك فقال: يا عاصم، اتق اللّه في حليلتك، ولا تقل إلا حقا!! قال: يا رسول اللّه، أقسم باللّه ما قلت إلا حقًّا، ولقد رأيته يغشى على بطنها، وهي حبلى وما قربتها منذ كذا وكذا؛ فأمرهما رسول اللّه أن يتلاعنا عند ذلك، وقال: يا عاصم، قم فاشهد أربع شهادات باللّه أنه لكما قلت، وأنك لمن الصادقين في قولك عليها، ثم قال: والخامسة: أن لعنة اللّه عليك إن كنت من الكاذبين؛ ففعل ما ذكر، ثم قال للمرأة مثل ذلك؛ فشهدت أربع شهادات باللّه: إنه لمن الكاذبين عليها، والخامسة: أن غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين في قوله، فلما تلاعنا وفرغا من اللعان فرق بينهما، ثم قال للمرأة: إذا ولدت فلا ترضعيه حتى تأتيني به، فلما انصرفوا عنه قال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: إن ولدته أحيمر مثل الينعة فهو الذي يشبه أباه الذي نفاه، وإن ولدته أسود أدعج جعدا قططا فهو يشبه الذي رميت به، فلما وضعت أتت به رسول اللّه، فنظر إليه فإذا هو أسود أدعج جعد قطط على ما فعته رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يشبه الذي رميت به؛ فقال رسول اللّه: لولا اللعان والأيمان التي سلفت لكان لي فيها رأي. وفي بعض الأخبار أنه لما جمع بينهما قال لها: بعد أن تلاعنا: " فإن اللّه يعلم أن أحدكما كاذب؛ فهل منكما تائب؟! "، وقال: " عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا "، وفي بعض الأخبار: " أن الآية نزلت في لعان هلال بن أمية، فذكر فيه ما ذكرنا، واللّه أعلم. ثم في هذا مسائل: إحداها: أنه ذكر قذف الأزواج وذكر فيه الأيمان ولم يبين؛ فظاهر الآية: الزوج والزوجة: كافران أو مسلمان، حران أو مملوكان، أو كيف كانا؟! فعندنا أنه إذا كان أحدهما حرَّا والآخر مملوكًا، أو كانا جميعًا مملوكين لم يكن بينهما لعان إلا أن يكونا جميعًا من أهل الشهادة. وحجتهم في ذلك أن اللّه جعل على الأجنبي الحر إذا قذف أجنبية حرة الحد ثمانين، وجعل حد الزوج إذا قذف زوجته وهما حران مسلمان اللعان، ثم قد ذكرنا إجماعهم على أن الحر إذا قذف أمة أو يهودية فلا حد عليه؛ فلما لم يكن على الحر القاذف للأمة من الحد ما على القاذف الحرّ إذا قذف حرة لم يكن على زوج الأمة من اللعان ما على زوج الحرة. وأصل هذا: أن اللّه ذكر الشهادة في رمي الأجنبية المحصنة وأبرأ القاذف من الحد إذا أتى بها، وأمر بإقامة الحد إذا عجز عن إقامتها، ثم استثنى من الشهداء الذين ذكر في قذف الأجنبية شهادة الزوجين بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّه}؛ فإذا لم يدخلا في تلك الشهادة إذا كانا مملوكين أو كافرين أو أحدهما لم يدخلا فيما استثنى؛ إذ الثنيا استخراج من تلك الجملة المستثناة وتحصيل منها؛ لذلك بطل اللعان. ووجه آخر في الكافرة: وهو أن المرأة تقول في الخامسة: عليها غضب اللّه إن كان من الصادقين، وغضب اللّه يكون عليها بغير شرط؛ فمحال أن يقول القاضي لها: عليك غضب اللّه بشرط إن كان الزوج صادقًا، وهو يعلم أن غضبه عليها في كل حال؛ لذلك بطل. والمخالف لنا أولى بإبطال اللعان بين الحرة والأمة والمسلم والذمية منا؛ لأنهم يزعمون أن العبد ليس بكفء للحر ولا الكافر بكفء للمسلم في القصاص في النفس وفيما دون النفس؛ فكيف جعلوهما في أيمانهما أكفاء لأيمان الأحرار المسلمين؟! كان يجب أن يقولوا مثل يمين الكافر يصححان به ليمين المسلم؛ فلا يوجبون بينهما لعانا، والوجه فيه ما ذكرنا بدءًا. ثم المسألة في إباء الأيمان: إذا أبى أحدهم حد عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي، وعندنا أنه لا يحد بالإباء؛ فذهب من أوجب الجلد بالإباء إلى ظاهر قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ}: أوجب الجلد في قذف الأجنبي إذا عجز عن إقامة الشهود، ودرأ عنه الحد إذا أتى بأربعة يشهدون؛ فعلى ذلك درأ عن الزوجين الحد إذا شهد كل واحد منهما أربع شهادات باللّه، فوجب إذا أبى أحدهما الأيمان أن يحد؛ إذ بالأيمان يدرأ الحد ويوجب اللعان. |
﴿ ٦ ﴾