سُورَةُ الْفُرْقَانِ

كلها مَكِّيَّة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {تَبَارَكَ}: قال أهل التأويل: تبارك من التفاعل، وهو من تعالى؛ لأن البركة هي اسم كل رفعة وفضيلة وشرف، فكان تأويله: تعالى من التعالي والارتفاع.

وقال أهل الأدب: تبارك: هو من البركة، والبركة هي: اسم كل فضل وبر وخير، أي: به نيل كل فضل وشرف وبر.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: {تَبَارَكَ} هو تنزيه؛ مثل قولك: تعالى.

وقال الكسائي والْقُتَبِيّ: هو من البركة؛ وهو ما ذكرنا.

وقوله: {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}: سماه؛ فرقانا؛

قَالَ بَعْضُهُمْ: لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، وبين ما يؤتى وما يتقى؛ وعلى هذا جائز أن يسمى جميع كتب اللّه التي أنزلها على رسله فرقانًا؛ لأنها كانت تفرق بين الحق والباطل، وبين ما يحل وما يحرم، وبين ما يؤتى وما يتقى؛ ولذلك سمى التوراة: فرقانًا بقوله: {وَلَقَدْ آتَينا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرقَانَ}.

وأما القرآن: هو من قرن بعضه إلى بعض؛ يقال: قرنت الشيء إلى الشيء إذا ضممته إليه، قرن يقرن قرنا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: سمي القران: فرقانا؛ لأنه أنزل بالتفاريق مفرقا، وسائر الكتب أنزلت مجموعة، لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءًا، وهو أقرب وأشبه.

وقوله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}: جائز أن يكون قوله: {لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، أي: القرآن الذي أنزله على عبده يكون نذيرًا لمن ذكر.

ويحتمل قوله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} أي: ليكون مُحَمَّد بالقرآن الذي أنزل عليه نذيرًا؛ كقوله: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}؛ وكقوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، أي: من بلغه القرآن من الخلق فرسول اللّه نذيره.

ثم قوله: {لِلْعَالَمِينَ} جائز أن يراد به الإنس والجن.

ثم ذكر النذارة فيه ولم يذكر البشارة، فإن كان على هذا فهو حجة لأبي حنيفة - رحمه اللّه - أن ليس للجن ثواب إذا أسلموا سوى النجاة من العقاب، ولهم عقاب بالإجرام؛ لأن اللّه - تعالى - لم يذكر لهم الثواب في الكتاب، وذكر لهم العقاب بالعصيان؛ حيث قال: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللّه وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ. . .} الآية، جعل ثوابهم نجاتهم من عذاب أليم.

وجائز أن يكون في النذارة بشارة -أيضًا- ما كان وما يكون إلى يوم القيامة؛ لأنهم إذا اتقوا مخالفة اللّه ومعاصيه كانت لهم العاقبة، فلهم بشارة في ذلك ونذارة؛ كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.

﴿ ١