٤٦وقوله: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} الآية تخرج على وجوه ثلاثة: أحدها: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} إلا الذين ظلموا منهم فلا تجادلوهم بالتي هي أحسن ولا غيره، وهم الذين لا يقبلون الحجة، ولا يؤمنون إذا لزمتهم الحجة، وهم أهل عناد ومكابرة، والأولون يقبلون الحجة، ويؤمنون بها. والثاني: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ فقوله: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ليس على الثنيا من الأوّل، ولكن على الابتداء؛ كأنه قال: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} قولوا: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا. . .} إلى آخر ما ذكر؛ أي: قولوا لهم هذا، ولا تجادلوهم؛ فإنكم وإن جادلتم إياهم فلا يؤمنون، وهو كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}، قوله: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ} ليس على الثنيا من الأول، ولكن ابتداء نهي؛ أي: لا تخشوهم واخشوني، فعلى ذلك يحتمل الأول مثله. والثالث: جائز أن يكون قوله: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ. . .} إلى آخر ما ذكر: هي المجادلة الحسنة التي أمروا بها؛ لأن تلك مما يقبلها العقل والطبع، وبها جاءت الكتب والرسل؛ فلا سبيل إلى ردّ ذلك. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: جادلوا الذين يصدقون منهم ولا يكتمون نعت مُحَمَّد وما في كتبهم من الحق، فأمَّا الذين تعلمون أنهم يكتمون ولا يصدقون فلا تجادلوهم، وهو كقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} والأوّل كقوله: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. . .} الآية. والمجادلة الحسنة هي التي جاء بها الكتاب ويوجبها العقل. ثم فيه دلالة جواز المناظرة والمجادلة مع الكفرة في الدِّين، وكذلك - قوله تعالى -: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ليس كما يقول بعض الناس: إنه لا يجوز معهم المناظرة، وذلك لجهلهم بحجج الإسلام وبراهينه؛ على ما ينهون عن المجادلة والمناظرة معهم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: من لا عهد معهم فجادلهم بالسيوف، ومن كان معه عهد وكتاب فجادلهم بالحجج. وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو منسوخ بقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّه. . .} الآية. ومنهم من يقول: من أدَّى إليكم الجزية فلا تغلظوا له القول وقولا لهم قولا حسنًا، ومن لم يؤدّ فأغلظوا لهم وجادلوهم بالسيوف، واللّه أعلم. |
﴿ ٤٦ ﴾