٥٣

وقوله: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٣)

كان استعجالهم وسؤالهم الآيات على علم منهم أنه لا ينزل ولا يأتيهم - يخرج مخرج الاستهزاء بالرسل والتمويه والتلبيس على الأتباع والضعفاء؛ لأنهم يعلمون أن اللّه لا يعذب ولا يهلك هذه الأمة إهلاك استئصال وانتقام كما أهلك الأمم المتقدمة بالعناد والاستهزاء بالرسل؛ إذ قد أمهلهم إلى وقت، فإن علموا ذلك من الإمهال والتأخير سألوا الرسول العذاب الذي أوعدهم والآيات القاهرة، ووعدوا الإيمان لو جاءهم، وأقسموا على ذلك بقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ. . .} الآية؛ تمويهًا وتلبيسًا على أتباعهم وضعفائهم يرونهم أنهم على حق في

الإيمان فيما يدعوهم الرسول، وأنه لو أتى بآية وحجة يؤمنون به ويتبعونه، وهم فيما يسألون من الآيات والعذاب عالمون أنهم معاندون كذبة متمردون ملبسون مموهون على الأتباع والسفلة؛ لما ذكرنا، واللّه أعلم.

وقوله: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً. . .} الآية.

فإن قال لنا ملحد: إنه حيث أخر عنهم العذاب وأمهلهم علم منهم أنهم يستعجلون، أو لم يعلم ذلك، فإن قلت: على غير علم منهم فقد أثبت الجهل له، وإن قلت: على علم منهم ذلك فكيف أمهل ذلك وقد علم ما يكون منهم؟

قيل: إمهاله العذاب عنهم وضرب الأجل رحمة منه لهم وفضل؛ كأنه قال: ولولا رحمته التي جعل لهم على نفسه لجاءهم العذاب كما جاء الأمم الخالية عند سؤالهم الرسل العذاب والآيات بالعناد والاستهزاء، وهو كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} حيث لم يستأصلهم كما استأصل أُولَئِكَ.

﴿ ٥٣