٦٩

وقوله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩) يشبه أن يكون هذا صلة قوله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} أي: ليس من أجهد نفسه في طلب الدنيا والعمل لها إلا لهوًا ولعبًا، وأما من أجهد نفسه للّه وطلب مرضاته فهو حق وله دار الحياة التي لا موت فيها ولا انقطاع.

ويشبه أن يكون على الابتداء لا على الصلة بالأول؛ يقول والذين جاهدوا أنفسهم في هواها وشهواتها وأمانيها حقيقة ابتغاء مرضات اللّه وطلب الهداية والدِّين وسبيله {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ذكر السبل - هاهنا - لما سبق ذكر الجماعة، يقول: الذين جاهدوا فينا لنهدينهم كلا سبيلا فيكون سبلا للكل، وأما قوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} أن السبل على الإطلاق على غير تقدم ذكر من الهدى، أو شيء من الإضافة إلى اللّه - هي سبل الشيطان، واللّه أعلم.

وقوله: {وَإِنَّ اللّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} يحتمل قوله: {وَإِنَّ اللّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} في التوفيق لهم في الإحسان والأعمال الصالحة.

أو مع المحسنين في النصر لهم والمعونة لهم مع أعدائهم.

أو مع المحسنين يحفظهم ويتولاهم.

ثم لم يفهم أحد من الخلق من قوله: {لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} و {مَعَ الْمُتَّقِينَ} ما يفهم من الخلق وذوي الأجسام والجثات، فكيف فهم بعض الناس من قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، {وَجَاءَ رَبُّكَ}، و {يَأتِيَهُمُ اللّه}، في كذا ما يفهم من استواء الخلق ومجيئهم وإتيانهم؟! ليعلم أن فهم ذلك على ما يفهم من الخلق بعيدٌ محال، واللّه أعلم بالصواب.

* * *

﴿ ٦٩