٢٢وقوله: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّه وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللّه عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) يحتمل قوله: {وَجْهَهُ}، أي: نفسه؛ كأنه قال: ومن يسلم نفسه للّه، وجعلها سالمة له لم يجعل لأحد فيها شركا. {وَهُوَ مُحْسِنٌ}. في عمله إلى نفسه، أي: لا يستعملها إلا في طاعة اللّه، وفيما أمر به، فإذا فعل ذلك، {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، أي: فقد استمسك باوثق العرا وأثبتها؛ على ما ذكر في آية أخرى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا}، أي: فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع ولا زوال؛ لأنها ثبتت بالحجج والبراهين، لا بالهوى؛ فكل شيء ثبت بالحجة والبرهان - فهو ثابت - أبدا لا زوال له ولا انقطاع، وكل شيء ثبت بالهوى؛ فهو يزول وينقطع عن قريب؛ لزوال الهوى. وجائز أن يكون قوله: {وَجْهَهُ إِلَى اللّه}، أي: يسلم وجه أمره للّه؛ فالوجه عبارة وكناية عن أمره، أي: يسلم أمره إلى اللّه ويفوضه إليه. أو يكون كناية عن نفسه؛ فتأويله ما ذكر بدءًا. وأهل التأويل يقولون: {يُسْلِمْ وَجْهَهُ}، أي: دينه للّه، أي: يخلص دينه للّه، كقوله: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} أي: لكل أهل دين ومذهب، واللّه أعلم. وقوله: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} يحتمل وجوهًا: أحدها: ما ذكرنا: وهو محسن إلى نفسه في عمله: لا يستعملها إلا فيما أمر بالاستعمال فيه، وهو طاعة اللّه لا يوقعها في المهالك. أو هو محسن إلى الناس بالمعروف والبر. أو محسن، أي: عالم؛ كما يقال: أحسن، أي: علم. وبعض أهل التأويل يقول: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّه}، أي: أخلص عمله للّه، {وَهُوَ مُحْسِنٌ}، أي: مؤمن؛ كقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، وهو قول ابن عَبَّاسٍ ومقاتل، يقول: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّه}، أي: يخلص دينه للّه، {وَهُوَ مُحْسِنٌ}: في عمله، {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ}. وقوله {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}: هو ما ذكرنا: أنه استصسك بأوثق العرا وأثبتها؛ لأنه إنما ثبت بالحجة والبرهان لا بالهوى والتمني، واللّه أعلم. وقوله: {وَإِلَى اللّه عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. هذا يخرج على وجوه: أحدها: وإلى اللّه تدبير عاقبة الأمور وتقديرها، لا إلى الخلق. والثاني: إلى من له التدبير والتقدير يرجع عاقبة الأمور. أو أن يخص رجوع عاقبة الأمور والمصير والرجوع إليه والبروز له والخروج، وإن كانوا في جميع الأوقات كذلك؛ لما ذكرنا - أن المقصود من خلق هذا العالم - العالم الثاني، والمقصود من خلق الدنيا: الآخرة؛ إذ به يصير حكمة وحقا؛ فخص ذلك له وأضافه إليه لذلك. أو لذكر ذلك؛ لما لا ينازع في ذلك اليوم وقد نوزع في هذه؛ ولذلك قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}. |
﴿ ٢٢ ﴾