٢٧

وقوله: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّه إِنَّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)

لا يحتمل أن يكون ذكر هذا الكلام ابتداء من غير أمر أو سؤال أو خطاب سبق من القوم حتى ذكر هذا، لكنا ما نعلم ما سبب ذلك؛ وما قصته؛ وما أمره؛ حتى أنزل هذا، لكن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - يقول: إن اليهود - أعداء اللّه - سألوا رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الروح وما هو؛ فنزل: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي: من علم ربي، لا علم لي به، وتلا قوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أي: يسيرًا في علم اللّه، فلما قرأ عليهم هذه الآية قالوا: كيف تزعم هذا وأنت تزعم أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا؛ فكيف يجتمع هذا: علم قليل وخير كثير؟! قال: فنزل {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ}، يقول: تبرى الشجرة أقلامًا، والبحر يمده سبعة أبحر؛ فتكون كلها مدادًا يكتب بها علم اللّه لانكسرت الأقلام، ولنفذ المداد ولم ينفذ علم اللّه، فما أعطاكم من العلم قليل فيما عنده من العلم كثير فيما عندكم، إلى هذا يذهب أكثرهم.

ولكن غير هذا كأنه أشبه بسبب نزوله وذكره، وهو يخرج على وجهين:

أحدهما: ما ذكرنا في قوله: {للّه مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أنه بلغ ملكه وسلطانه ما لو صار ما ذكر من الأشجار كلها أقلاما والبحار كلها مدادا، فكتب بها أسماء خلقه وملكه وسلطانه [لنفد] ذلك كله، [ولم ينفد] خلقه ولم يبلغوا غاية ذلك.

أو ذكر هذا لهذا القرآن؛ لقول كان من الكفرة في قلته في نفسه وصغر ما كتب هو فيه أن يقولوا: كيف يسع في هذا المقدار علم الكتب السالفة المتقدمة، وهي أوقار وهو جزء؟! فيخبر - واللّه أعلم -: أنه جمع في هذا من المعاني والعلم والحكمة ما لو فسره وبين ما أودع فيه وضمنه، ما لو جعل ما في الأرض من الشجر أقلامًا والبحار مدادًا، فكتب ما أودع فيه وضمنه - لنفدَ ذلك كله ولم ينفدْ ما جمع فيه وضمنه، هذا - واللّه أعلم -: يشبه أن يكون تأويله وسبب نزوله، واللّه أعلم بذلك.

{إِنَّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

﴿ ٢٧