٣وقوله: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) قوله: {أَمْ يَقُولُونَ} هو استفهام وشك في الظاهر، لكنه من اللّه يخرج على تحقيق إلزام وإيجاب أو تحقيق نفي، على ما لو كان ذلك من مستفهم ومسترشد: كيف يجاب له ويقال فيه؛ فإنما يقال للمستفهم: لا أو بلى؛ فعلى ذلك هو من اللّه على تحقيق إثبات وإيجاب، أو تحقيق نفي؛ إذ لا يحتمل الاستفهام والسؤال؛ كقوله: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى}؛ كأنه قال: ليس للإنسان ما تمنى؛ فعلى ذلك كأنه قال - هاهنا -: بل يقولون: {افْتَرَاهُ}، ثم رد ما قالوا: إنه افتراه؛ فقال: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}. يحتمل قوله: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}: ليس بمخترع ولا مخترق ولا مفتري من مُحَمَّد؛ بل منزل من عند اللّه، على ما ذكرنا في قوله: {لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. أو هو الحق من ربك، ليس بكلام البشر ولا في وسعهم إتيان مثله؛ فهو الحق منه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ. . .} الآية. وقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا}. أي: لتنذر بالكتاب الذي أنزل قومًا. {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}. هذا يحتمل وجهين: أحدهما: على الجحد، أي: لتنذر قومًا لم يأتهم نذير، وهم أهل الفترة الذين كانوا بين عيسى ومُحَمَّد، عليهما الصلاة والسلام. والثاني: لتنذر قومًا: الذين قد أتاهم من نذير من قبلك، وهم آباؤهم وأجدادهم الذين كانوا من قبله، الذين قد أتاهم نذير من قبله، واللّه أعلم. وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}. هذا -أيضًا- يحتمل وجهين: أحدهما: لتنذر قومًا؛ لكي تلزمهم به حجة الاهتداء. والثاني: لتنذر قومًا؛ على رجاء وطمع أن يهتدوا، واللّه أعلم. |
﴿ ٣ ﴾