٥وقوله: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) قال أهل التأويل: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}، أي: هو يقضي القضاء وحده من السماء والأرض. وعندنا أنه يخرج على وجهين: أحدهما: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}، أي: هو يكون الأمر ويدبره. أو هو يجعل الخلق بحيث يقبلون الأمر والنهي ويحتملون المحنة. أو هو يخرج الأمر كله على الحكمة والتدبير. والثاني: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}، أي: يولي من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض؛ نحو ما ولى ملك الموت قبض أرواح الخلق، ونحو ما ولى بعض ملائكته أمر الأمطار والنبات وغير ذلك؛ فجائز أن يكون الأول يولي ملائكته أمر ما بين السماء والأرض. فإن كان الأول فليس ذكر السماء والأرض حدّا ولا تقديرًا؛ يدبر ما سوى ذلك، لكن ذكر هذا؛ لما إلى ذلك ينتهي تدبير البشر وعلمهم، وأما ما سوى ذلك فلا. وإن كان الثاني فهو على التحديد، واللّه أعلم. وقوله: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُ}. قال بعض أهل التأويل: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}، يقول: يصعد الملك إليه في يوم واحد من أيام الدنيا، كان مقدار ذلك اليوم، {أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، أنتم؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام؛ فينزل مسيرة خمسمائة عام، ويصعد خمسمائة عام، وذلك مقدار مسيرة ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا. وذكر في موضع آخر: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}؛ فجائز أن يكون ذلك وصف يوم القيامة؛ فيخرج ذلك لا على التحديد والتقدير؛ ولكن على التعظيم لذلك اليوم، والوصف له بما يعظم في قلوب الخلق، وهو ما وصفه بالعظمة؛ كقوله: {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ}. أو أن يكون التحديدان والتقديران كانا حقيقة؛ لاختلاف أحواله وأوقاته، على اختلاف الأمور، يكون ألف سنة كما ذكر في حال ووقت لأمر، وخمسين ألف سنة بحال أخرى لأمور أخر؛ على ما سمى ذلك اليوم مرة: يوم الجمع، ومرة: يوم التفريق، ويوم الفصل، ويوم الحساب، ويوم البعث، ونحوه، ومعلوم أن ذلك اليوم من أوله إلى آخره ليس بيوم الجمع، ولا بيوم الافتراق، ولا يوم الحساب ولا يوم البعث؛ ولكن أسماه، بجميع ذلك كله؛ لاختلاف الأحوال والأوقات لأمور مختلفة؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأول كذلك، واللّه أعلم. ويكون قوله: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}، أي: يصير إليه ذلك؛ كقوله: {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}، ونحوه. |
﴿ ٥ ﴾