سُورَةُ الْأَحْزَابِذكر أن سورة الأحزاب نزلت بالمدينة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عزَّ وجلَّ -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّه وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}. جائز أن يكون ظاهر الخطاب وإن كان لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: فهو للناس عاما؛ ألا ترى أنه قال على أثره: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} خاطب به الجماعة، وقد خاطب رسوله في غير آي من القرآن، والمراد به غيره؛ فعلى ذلك جائز أن يكون هذا كذلك. ويشبه أن يكون المراد بالخطاب -أيضًا- خاصة، لكن إن كان ما خاطب به مما يشترك فيه غيره - دخل في ذلك الخطاب وفي ذلك النهي، وإن كان مما يتفرد به من نحو: تبليغ الرسالة إليهم، وما تضمنته الرسل، وإن خاف على نفسه القتل والهلاك فإن عليه ذلك لا محالة، كقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. . .} الآية. وأما أهل التأويل فمما اختلفوا فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت الآية، وذلك أن نفرا من أهل مكة - أبو سفيان بن حرب، وعكرمة ابن أبي جهل، وأبو الأعور السلمي، وهَؤُلَاءِ - قدموا المدينة، فدخلوا على عبد اللّه بن أُبي رئيس المنافقين بعد قتلى أحد، وقد أعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه، فقالوا للنبي وعنده عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات، وندعك وربك؛ فشق ذلك على النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فأنزل اللّه - تعالى - هذه الآية: {اتَّقِ اللّه وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}، وفيهم نزل: {وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه}. وفي بعض الروايات: قالوا ذلك - وعنده عمر بن الخطاب - فقال: يا رسول اللّه، ائذن لي في قتلهم؛ فقال النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إني قد أعطيتهم الأمان "، فإن كان على هذا فالنهي: عن نقض العهد والأمان. وإن كان على الأول: فالنهي عن اتباع ما طلبوا منه من رفض آلهتهم والعبادة لها. وبعضهم يقولون: إن أهل مكة نحو: شيبة بن ربيعة وهَؤُلَاءِ قالوا له: إنا نعطيك يا مُحَمَّد كذا كذا من المال، ونزوجك كذا كذا امرأة كثيرة المال؛ فارفضنا وآلهتنا؛ وإلا قتلك المنافقون: فلان وفلان، عذوا نفرًا؛ فأنزل اللّه - تعالى - الآية في ذلك بالنهي عن اتباع ما طلبوا منه ودعوه إليه، وأمره بالتوكل على اللّه في ترك الاتباع لهم. وأصله ما ذكرنا: أن النهي - وإن كان له خاصة - فيما ذكر فهو - وإن كان معصومًا - فالعصمة لا تمنع الأمر والنهي؛ بل العصمة إنما تنفع إذا كان ثمة نهي وأمر؛ إذ لولا النهي والأمر لكان لا معنى للعصمة ولا منفعة لها، واللّه أعلم. وقوله: {اتَّقِ اللّه}: في ترك تبليغ الرسالة إليهم، {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} في اتباع ما دعوك إليه وطلبوا منك، أو في غيره. {إِنَّ اللّه كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}. {عَلِيمًا} وبما كان ويكون منهم، أي: على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد عليك بعثك، لا على جهل، {حَكِيمًا}: في ذلك، أي: بعثه إياك إليهم، على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد، لا يخرجه عن الحكمة، ليس كملوك الأرض: إذا أرسل بعضهم إلى بعض رسالات وهدايا، على علم من المرسل أن المبعوث إليه يرد الرسالة والهدية يكون سفهًا؛ لأنهم يبعثون ويرسلون لحاجة أنفسهم، أعني: أنفس المرسلين، فإذا أرسلوا على علم منهم بالرد والتكذيب كان ذلك سفهًا خارجًا عن الحكمة. فأما اللّه - سبحانه - إنما يرسل الرسل ويبعثهم لمنفعة أنفسهم وحاجتهم، فعلمه بالرد والتكذيب لا يخرجه عن الحكمة. |
﴿ ١ ﴾