٢٧

(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢٧) أي: لم تملكوها، اختلف في قوله: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا}:

قَالَ بَعْضُهُمْ: هي أرض مكة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي أرض الشام وقراها.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي أه ض خيبر، أي: سيورثكم اللّه إياها: فأما أرض مكة فقد فتحها وتركها في أيدي أهلها، وكذلك بلاد الشام وقراها.

وعن الحسن: هي أرض الروم وفارس وما فتح اللّه عليكم.

وأما خيبر فقد فتحها وقسمها بين من ذكرنا وجعلها فيئًا؛ فهو أشبه من غيره؛ ففيه أن من يخلف في ملك غيره وصفا ملكه للآخر وانتقل إليه يسمى: وارثًا بموت أو بغيره؛ حيث قال: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ. . .} الآية، وكذلك ما قال: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ. . .} إلى كذا،

وقوله: {يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ}، أي: يبعثون فيها، ونحوه، وكقوله: {وَللّه مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي: يبقى له ملك السماوات والأرض، أي: لا ينازع فيه. وكذلك يخرج قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ}، أي: نبقى فيها، والخلائق يفنون.

ثم الفائدة في ذكر هذا وأمثاله لنا، إذ هم قد شاهدوها وعاينوها، يخرج على وجوه: أحدها: تعريف لآخر هذه الأمة أن أوائلهم ما قاسوا وما تحملوا من الشدائد والبلايا في أمر هذا الدِّين، حتى بلغ هذا المبلغ؛ فنجتهد نحن كما اجتهد أُولَئِكَ في حفظ هذا الدِّين وفي أمره.

والثاني: أمرهم بالتأهب مع العدوّ حتى أمروا بالخندق والتحصن بأشياء، ثم جاءهم الغوث من اللّه بغير الذي أمروا؛ ليكونوا أبدًا متأهبين مستعدين لذلك، ولا يرجون النصر

والظفر من ذلك الوجه، وذلك بفضل اللّه ونصره، على ما أخبر عنهم: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا. . .} الآية.

والثالث: ألا يؤيسهم خروج أنفسهم من أيديهم، وإحاطة العدو بهم، وكونهم في أيديهم من روح اللّه ورحمته وغوثه إياهم؛ لأن الخوف قد بلغ بهم المبلغ الذي ذكر؛ حيث قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ. . .} إلى قوله: {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}.

وفيه دلالة إثبات الرسالة لرسول اللّه؛ لأنه وعد لهم النصر، فكان على ما وعد؛ ليعرفوا أصدقه، في كل ما يخبر ويعد.

{وَكَانَ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}، أراد: من فتح، أو نصر، أو غيره، {قَدِيرًا}.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: {قَضَى نَحْبَهُ}، أي: قتل، وقضى أجله، وأصل النحب: النذر؛ كأن قومًا نذروا: إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح اللّه، فقتلوا.

وقوله: {مِن صَيَاصِيهِمْ}: حصونهم، وأصل الصياصي: قرون البقر؛ لأنها تمتنع بها، وتدفع عن أنفسها، فقيل للحصون: صياصي؛ لأنها تمنع، والواحدة: صِيصِيَة، وصيصية الديك: عرفه، والصيصية: خف صغير يحوك به الحائك، ويجمع هذا كله: صياصي.

والأحزاب: الفرق، واحدها: حزب، ويقال: حزبت القوم، أي: جمعتهم، وحزبتهم، أي: فرقتهم، وتحزب القوم: إذا اجتمعوا وصاروا حزبًا حزبًا، وتقول: هَؤُلَاءِ حزبي، أي: أصحابي وشيعتي، وتقول: حازبني محازبة، أي: صاحبني مصاحبة.

وقوله: {بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ}، أي: أن يكونوا في البادية مع الأعراب، رجل باد: قد نزل البادية، {يَوَدُّوا}، أن يكونوا في البادية مع الأعراب.

وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا}: هو ما يظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة.

﴿ ٢٧