سُورَة فَاطِرٍوهي نزلت بمكة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الْحَمْدُ للّه فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. ما ذكر في القرآن الحمد للّه إلا وذكر على أثره التعظيم للّه والإجلال له على ما أنعم به على الخلق؛ ليلزمهم الشكر له والثناء عليه؛ نحو ما ذكر: {الْحَمْدُ للّه فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ونحو ما قال: {الْحَمْدُ للّه الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ... } الآية، ونحو قوله: {الْحَمْدُ للّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. . .} الآية، وقوله: {الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ. . .} الآية، وقوله: {الْحَمْدُ للّه الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا. . .} الآية، جميع ما ذكر في القرآن من الحمد له ما ذكر على أثره ما يوجب التعظيم له والتبجيل والثناء عليه والشكر له؛ تعليمًا منه الخلق الثناء على ذلك والشكر له، وباللّه المعونة والقوة على ذلك. وقوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. قَالَ بَعْضُهُمْ: الفاطر: هو المبتدئ والبادئ؛ وهو قول الْقُتَبِيّ من أهل الأدب، وكذلك ذكر عن ابن عَبَّاسٍ أنه قال: " ما أدري ما {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، حتى جاء أعرابيان فاختصما في بئرٍ، فقال أحدهما: أنا فطرتها أنا بدأتها، فعند ذلك عرفت "، أو كلام نحوه. ويجيء أن يكون الفاطر هو الشاق، أي: شق السماوات كلها من واحدة وكذلك الأرضين كقوله: {إذَا السَّمَاءُ انفَطَرَت} أي: انشقت؛ كما قال: {إِنَّ اللّه فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} أي: الشاق. لكن جميع ما أضيف إلى اللّه من الشق والفطر والجعل وغيره من نحو قوله: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} كله على اختلاف الألفاظ عبارة عن الخلق، أي: خلاق ذلك كله. وأصل الخلق في اللغة هو التقدير، خلقت، أي: قدرت؛ وكذلك قال الكسائي: إن الفطر في كلام العرب هو الشق، معناه: أنه شق من السماء ست سماوات ومن الأرض مثلهن، ومنه الحديث: " حتى تفطرت قدماه دمًا ". وقوله: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}. ففي ظاهر الآية: أنه جعل جميع الملائكة رسلا، فإن كان على ذلك فكأنه ولَّى كل واحد منهم أمرًا من أمور الخلق والعباد، وإن كان على البعض فيكون تأويله: جاعل من الملائكة رسلا أو في الملائكة رسلا. ثم أخبر عن الملائكة: أنهم أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع يطيرون بها، ليس كالطيور التي تطير بجناحين لو زيد لها جناح أو جناحان يمنعها عن الطيران، كالأصبع الزائدة لبني آدم تمنعهم عن بعض العمل، ولا تزيد لهم نفعًا بل تنقص، وأمَّا ما ذكر من عدد الأجنحة للملائكة فذلك لا يمنعهم عن الطيران، بل زيد لهم قوة ومقدرة على ذلك. ثم قال: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} قَالَ بَعْضُهُمْ: يزيد في الملائكة على أربعة أجنحة ما يشاء {إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من خلق الأجشة في الزيادة {قَدِيرٌ}. وذكر أن لإسرافيل ستة أجنحة، ولجبريل ستمائة جناح، ذكر عن ابن مسعود - رضي اللّه عنه - يقول: " أري رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - جبريل، وله ستمائة جناح ". وقَالَ بَعْضُهُمْ: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} أي: الصوت الحسن. وقَالَ بَعْضُهُمْ: الشعر الحسن. فهو فيما ذكروا من الزيادة في الأجنحة أشبه وأقرب. {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: من الزيادة والابتداء، ولا يصعب عليه. |
﴿ ١ ﴾