٢٩وقوله: (ضَرَبَ اللّه مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ للّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩) أي: لا يستويان. يشبه أن يكون ما ذكر من المثل لرجلين من البشر كله: المسلمون والكافرون، ثم يحتمل الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون؛ أي: يتشاكسون في نسبه، يدعي كل نسبه. أو يتشاكسون في الملك فيه، يقول كل: هو لي أو في الملك في قوم يدعي كل أن الملك له فيه. أو يدعي كل أن الملك فيهم، ولا يثبت لواحد منهم النسب فيه لينتسب هو إلى واحد منهم، فيبقى متحيرًا تائهًا؛ ولذلك لا يثبت لواحد منهم الملك الذي يدعي؛ ليطلب هذا منه النفقة، وما يجب على ذي الملك من حقوق الملك، فسعى ضائعًا متحيرًا، وإذا كان الملك لرجل واحد، أو النسب أو الملك سالم له يصل إلى كل حق له، ويكون محفوظًا في نفسه معروفًا، فيكون مثل الذي فيه شركاء متشاكسون، هو الذي يعبد الشيطان أو الأصنام، أو هوى النفس، يدعو كل شيطان إلى غير الذي دعا الآخر، وكذلك الهوى يدعو صاحبه مرة إلى كذا، ومرة إلى غير ذلك، فهو كالذي فيه شركاء متشاكسون يدعي هذا وهذا، والذي يعبد إله الحق الذي يثبت ألوهيته بالحجج والآيات كالرجل السالم الواحد يكون أبدًا على حالة واحدة، مطيعًا للّه، خالصًا له. وقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} أي: هل يستوي الرجل الذي يدعي فيه شركاء متشاكسون والرجل الذي يكون لرجل واحد، فيما ذكرنا؟! أي: لا يستويان. وقال أهل التأويل: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ} من يعبد آلهة شتى مختلفة، والذي يعبد ربًّا واحدًا، وهو المؤمن، وقد رأوا أنهم قد استووا في هذه الدنيا، وفي الحكمة التفريق بينهما، وفيه دلالة البعث، وكذلك في قوله: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}، وقد استووا في هذه الدنيا دل أن هنالك دارًا أخرى يفرق بينهما فيها؛ إذ في الحكمة والعقل التفريق بينهما، واللّه أعلم. وقوله: {الْحَمْدُ للّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ذكر الحمد على أثر ذلك يخرج على وجهين: أحدهما: أن يحمد ربه على ما خصه بالتوحيد من بين الكفار {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} توحيد ربهم. والثاني: أمره أن يحمد ربه على ما جعله سالمًا خالصًا؛ لم يجعل فيه شركاء متشاكسين. قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: {شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} أي: مختلفون، يتنازعون، ويتشاحُّون {وَرَجُلًا سَلَمًا} أي: خالصًا. ومن قرأ {سَلَمًا لِرَجُلٍ} أراد: سلم إليه، فهو سلم. ثم قوله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يحتمل الأنبياء منهم والخواص؛ كقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. وجائز أن يكون أراد جميع المؤمنين، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود: (تقشعر منه جلود الذين يؤمنون بربهم ثم تطمئن جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه) وفي حرف حفصة: (ثم يثبت جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه). وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ}: يقول - واللّه أعلم -: ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه؛ ليسا بسواء؛ على ما ذكرنا. |
﴿ ٢٩ ﴾