١٥

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ... (١٥) يحتمل وجهين:

أحدهما: رفيع السماوات درجة على درجة، وطبقًا على طبق؛ على ما رفعها واحدة على أخرى.

والثاني: قوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} أي: درجات أهلها ومنازلهم التي جعلها لهم في الآخرة على تفضيل بعض على بعض في الدرجات؛ كقوله - تعالى -: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}: أخبر أنه فضل بعضًا على بعض في الدرجات في الآخرة، فجائز أن يكون ما ذكر من رفع الدرجات هو رفع السماوات درجة فدرجة، فهو إخبار عن قدرته وسلطانه أنه من قدر على رفع السماوات في الهواء وإقرارها فيه بلا سبب من أسباب إمساكها من التعليق بشيء، مع ثقلها وغلظها ولا شيء يقر في الهواء بحيث لا ينحط ولا يتسفل ولا يرتفع عن أماكنه بلا سبب من الأسفل والأعلى لا يحتمل أن يعجزه شيء أو يخفى عليه شيء أو يمنعه شيء عما يريد، واللّه أعلم. وإن كان المراد بالدرجات التي يجعل لأهلها في الآخرة إنما يستوجبونها باللّه تعالى بأعمال تكون لهم، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ}، اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: هو جبريل - عليه السلام - {يُلْقِي} أي: ينزل بالوحي بالنبوة {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}؛ كقوله: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ)، أخبر أنه أمين؛ ليعلم أنه ليس في إنزاله غلط ولا شيء مما قاله بعض الروافض: إنه بعث إلى فلان وأداه إلى غيره.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الروح هاهنا هو الوحي والرسالة؛ يقول: {يُلْقِي} هو الوحي على من يختار ويصطفي من عباده، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ}.

اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: يوم يلقى أهل الأرض أهل السماء.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: يوم يلقى الآخرون الأولين.

وجائز أن يكون هو يوم يلقى الإنسان عمله وأفعاله التي عملها، واللّه أعلم.

وقالت الباطنية: أي: يوم يلقى الصور المتولدة من الأجساد بأعمال الخير والشر التي كانت لهم في الدنيا الصور التي كانت لهم روحانية؛ لأن من مذهبهم أن من مات منهم يحدث ويتولد بالأعمال التي كانت لهم من الخير صورًا روحانية تلقى هذه الصورة الحادثة المتولدة من الأجساد بعد الموت، ويكون البعث عندهم للأرواح فتتصل هذه الأرواح النورانية بالنور الصرف، ويستدلون بقوله: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ}، أي: تبرز تلك الصور الروحانية من الأجساد؛ إذ الخلائق كلهم في جميع الأحوال والأوقات بارزون ظاهرون للّه تعالى لم يكونوا في وقت مستورين عنه.

ولكن هذا فاسد؛ لأنه لو كان الأمر على ما يقوله الباطنية لكانت الأنفس إذا نامت وخرجت منها الصور الروحانية، فرأت رؤيا كانت تراها مختلطة غير متحققة، وفي حالة اليقظة تراها متحققة غير مختلطة؛ دل أن الإدراك للأجساد بواسطة الصور الروحانية، فيجب أن يكون البعث للكل، واللّه أعلم.

ولكن الوجه في ذلك ما ذكرنا، وأصله أنه سمي ذلك اليوم على ما سمي: يوم الجمع، ويوم التغابن، ويوم الحشر، وغير ذلك، سمي ذلك اليوم على أسماء مختلفة، كل اسم من ذلك لمعنى غير المعنى الآخر، واللّه أعلم.

﴿ ١٥