١٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللّه مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (١٦)

قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ظاهرون، لا شيء هنالك يسترهم، أي: يرتفع يومئذ جميع السواتر؛ وهو كقوله تعالى: (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا). أي: لا شيء فيها، يذكر هذا لأن من الناس من يقول: يستر الأشياء عن اللّه تعالى بالسواتر ردًّا لقولهم.

ويحتمل أن يكون قوله: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} سمي ذلك اليوم: يوم البروز؛ لما يتفقون جميعًا ويقرون بالكلمة التي اختلفوا في الدنيا فيها، فيبرزون جميعًا متفقين مقرين على تلك الكلمة يومئذ وهي كلمة التوحيد، واللّه أعلم.

ويحتمل أن يكون سماه: يوم البروز، والمصير، والرجوع، وما ذكر؛ لأن المقصود من إنشاء الدنيا وما فيها من الخلائق ذلك اليوم وتلك الدار، وكذلك صار إنشاء الدنيا وإنشاء ما فيها حكمة؛ لما عرف أن الإنشاء للإفناء خاصة ليس بحكمة، فخص ذلك اليوم بما ذكرنا وإن كانوا في جميع الأحوال بارزين إليه ظاهرين له، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا يَخْفَى عَلَى اللّه مِنْهُمْ شَيْءٌ}.

ظاهر، وهو رد لقول من يقول: إن شيئًا يستر على اللّه تعالى اللّه عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}.

قال عامة أهل التأويل: إذا أهلك اللّه تعالى أهل الأرض وأهل السماء فلم يبق أحد إلا اللّه تعالى، فعند ذلك يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟ فلا يجيبه أحد، فيقول هو في نفسه ويجيب نفسه: {للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}، لكن هذا بعيد لا يحتمل أن يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ولا أحد سواه، ويجيب نفسه: {للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}؛ لما لا حكمة في ذلك: أن يسأل نفسه ثم يجيبها، لكن الوجه فيه - واللّه أعلم - أنه إنما يقول لهم ذلك إذا بعثهم وأحياهم: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟ فيقول الخلائق له بأجمعهم: {للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}، يقرون له جميعًا يومئذ بالملك والربوبية وإن كان بعض الخلائق في الدنيا قد نازعوه في الملك فيها وادعوا لأنفسهم، فيقرون يومئذ أن الملك في الدنيا والآخرة للّه تعالى، واللّه أعلم.

﴿ ١٦