٤٩

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (٤٩)

كان فزع الكفرة أبدًا إلى الخلق إذا نزل بهم البلاء في الدنيا، إلا أن يضطروا، فعند ذلك يفزعون إلى اللّه، فأما ما لم ييئسوا منهم فلا يفزعون إليه؛ فعلى ذلك يكون فزعهم في الآخرة إلى الخلق، وهو ما سألوا أهل الجنة من الماء، أخبر اللّه تعالى عنهم بقوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه قَالُوا إِنَّ اللّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}، فلما أيسوا من ذلك عند ذلك فزعوا إلى مالك، وهو ما أخبر اللّه تعالى عنهم بقوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} سألوا الموت، فلما أخبرهم أنهم ماكثون، فعند ذلك فزعوا إلى الخزنة وقالوا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ. قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}، فلما أيسوا منهم ومما سألوهم من تخفيف العذاب عنهم عند ذلك فزعوا إلى اللّه تعالى، وهو قولهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، وقولهم: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}، لم يفزعوا إلى اللّه تعالى إلا بعد ما انقطع رجاؤهم منهم، وأيسوا، وباللّه العصمة والنجاة.

﴿ ٤٩