٤٨

وقوله: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨)

قَالَ بَعْضُهُمْ: إن كل آية تأخرت عن الآية الأخرى فهي أعظم وأكبر من التي تقدمت؛ نحو ما كان منهم من الاستعانة؛ حيث قالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ}، ثم هو مما أراهم من الآيات قبل ذلك أعظم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: {إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} وكانت اليد أعظم وأكبر من العصا؛ لأن العصا قد تهيأ للسحرة تمويهها وتحويلها من جنس العصا وجوهرها إلى غيرها من الجواهر، ولم يتهيأ لهم تحويل اليد عن جوهر اليد، وقد كان ذلك لموسى - عليه

السلام - دل أن آية اليد أكبر من آية العصا، واللّه أعلم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذا ليس على تحقيق جعل آية أكبر وأعظم من آية العصا، ولكن وصف الكل بالعظم والكبر؛ كقوله - تعالى -: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}، ليس على إثبات القرب في أحدهما دون الآخر، ولكن وصف قرب كل واحد منها من الآخر على السؤال، وكما يقال في العرف: إن أفراس فلان كل واحد أعدى من الآخر، وإن أصحاب فلان كل واحد أفضل من الآخر، وأنه لا يراد بذلك الترجيح، ولكن إثبات المخبر عنه؛ فعلى ذلك قوله - تعالى -: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} وصف لهما جميعًا بالكبر، واللّه أعلم.

ثم ذكر قوله - تعالى -: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} وغير ذلك من أمثاله لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ليصبره على أذى قومه، وأنواع ما كانوا يستقبلونه من الاستهزاء به وبأتباعه، والضحك بما أتاهم من الآيات والحجج على رسالته، وعلى ذلك ما قال: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} أخبر أنه إنما قص عليه أنباء الرسل المتقدمة لتسلية فؤاده، واللّه أعلم.

﴿ ٤٨