سُورَةُ الْقَمَرِذكر أن سورة (اقترب) مَكِّيَّة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: اقتربت الساعة، واقترب انشقاق القمر. وقيل: على التقديم والتأخير، اقتربت الساعة، وإن يروا آية يعرضوا وإن كان انشقاق القمر. فعلى هذين التأويلين، لم يكن انشقاق القمر بعد، ولكن يكون في المستقبل، وعند قيام الساعة؛ وهو قول أبي بكر الأصم، ويقول: معنى قوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} أي: سينشق القمر عند الساعة؛ إذ لو كان قد انشق في زمن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لَمَا خفي على أهل الآفاق، ولو كان ظاهرا عندهم، لتواتر النقل به؛ إذ هو أمر عجيب، والطباع جبلت على نشر العجائب. وعامة أهل التأويل على أن القمر قد انشق؛ فكان من معجزاته - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أنه قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بمنى، فانشق القمر، فذهبت فرقة منه وراء الجبل، فقال - عليه السلام -: " اشهدوا، اشهدوا "، وروي عن غيره أيضًا: عن عبد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن عَبَّاسٍ - رضي اللّه عنهم - وأنس بن مالك، وحذيفة، وجبير بن مطعم، في جماعة من الصحابة - رضوان اللّه عليهم أجمعين -: أنهم رأوا انشقاق القمر. وقول أبي بكر: لو كان، لم يخْفَ وظهر؛ فيقال له: قد ظهر؛ فإنه روي عن غير واحد من الصحابة - رضي اللّه عنهم - وتواتر الحديث عن الخاص والعام، وفشا الأمر بينهم، حتى قل من يخفى عليه سماع هذا الحديث. على أنه قد يطلق ظاهر الكتاب، وإنما يكلف حفظ ما لم ينطق به الكتاب، والعمل بحقيقة اللفظ واجب. وقَالَ بَعْضُهُمْ: يجوز أن يستره اللّه - تعالى - عن الآفاق بغيم، أو يشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور؛ لضرب تدبير ولطف منه؛ لئلا يدعيه بعض الملتبسين في الآفاق لنفسه، وادعى الرسالة كاذبا؛ بناء على دعواه: أنه فعل ذلك؛ فيحتمل أنه أخفى عن أهل الآفاق إلا في حق من تظهر المعجزة عليه من الحاضرين، والكفرة يكتمونه، والصحابة الذين رأوا قد نقلوه، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} كأنه يقول: اقتربت الساعة التي تجزون، أو الساعة التي تنشرون فيها، أو الساعة التي تحاسبون فيها. فَإِنْ قِيلَ: أليس روي عن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " بعثتُ أنا والساعة كهاتين "، وأشار إلى السبابة والوسطى، وقد قبض رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولم تقم الساعة بعد. قيل: يحتمل أن مراده - عليه الصلاة والسلام - أنه ختم النبوة والرسالة، وتبقى أحكامه وشريعته إلى وقت قيام الساعة، وبقاء شريعته كبقائه، فصار كأنه قال: شريعتي والساعة كهاتين. ويحتمل أنه لما كان به ختم النبوة والشريعة، صار بعثه ومجيئه - عليه السلام - علامة للساعة وآية لها، وهو كقوله - تعالى - {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا} على تأويل من جعل بعث الرسول - عليه السلام - علَما وآية للساعة، واللّه أعلم. |
﴿ ١ ﴾