سُورَةُ الْحَدِيدِوهي مَكِّيَّة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {سَبَّحَ للّه مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يجوز أن يقرأ {سَبَّحَ للّه} وسبح اللّه، كما يقال في الكلام: شكر للّه، وشكر اللّه، ونصح للّه ونصح اللّه. ويجوز أن يكون معناهما في الظاهر مختلفا، ويتفق في الحقيقة والباطن؛ لأن التسبيح: هو التخليص والتنزيه والتبرئة، فمتى أضيف الفعل إلى اللّه تعالى، ووقع عليه، فيقال سبح للّه، فمعناه: أنه نزهه وبرأه عن جميع معاني الخلق، وخلصه عن شبه المخلوقين، وإذا قيل: سبح للّه، فقد وقع الفعل على الأشياء المخلوقة؛ أي: خلصها كلها له وبرأها عن غيره، وإذا وصف بأن كل الأشياء له، وهو المالك لها، وهم عبيده ومماليكه، خاضعون أذلاء، فقد وصف بالغناء ونفي الحاجة عنه، وأنه متبرئ عن الشبه بمماليكه ومخلوقاته، فهما جميعا من هذا الوجه ينظمان معنى واحدا، وإن كانا مختلفين وفي الباطن مؤتلفين؛ كما أن الإسلام: هو أن يجعل كل شيء من الخلق للّه تعالى خالصا سالمًا له، والإيمان: هو التصديق بالربوبية له في كل شيء، فمتى صدق اللّه تعالى بالربوبية في الخلق والأمر، فقد جعل الخلق سالما له، فمتى جعل سالما له فقد صدقه في الربوبية، فقد اتفقا من حيث المعنى، وإن اختلفا من حيث الظاهر، فعلى ذلك هذا، واللّه الموفق. ثم يحتمل ما ذكر من التسبيح: هو تسبيح الخلقة، تشهد له خلقة كل شيء بالوحدانية والألوهية، فهذا على خلقة الكافر والمؤمن جميعا وغيرهما من المخلوقات. ويحتمل أن يكون أراد الممتحنين الذين في السماوات والأرض، ويرجع إلى تسبيح خاص، وهو تسبيح النطق واللسان عن اختيار. وجائِز أن يرجع إلى كل ذي روح يجعل اللّه في سرية هذه الأشياء من التسبيح له ما يعلمه هو لا يعلمه غيره إلا بإعلام اللّه تعالى إياه ذلك، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} يخرج على وجوه: أحدها: العزيز: هو الذي أفقر الخلق وأحوجهم إليه، والحكيم: هو المحكم للأشياء المتقن لها. أو العزيز: القاهر الغالب، الحكيم: هو العالم بالأشياء على حقيقتها. أو العزيز: هو المالك كل ملك؛ كقوله: {مَالِكَ الْمُلْكِ}، الحكيم: الواضع كل شيء موضعه. |
﴿ ١ ﴾