٤وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤). خلقه العظيم: هو القرآن، ومعناه ما أدبه القرآن؛ وذلك كقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}؛ وكقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}؛ وكقوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}، فأخذه بالعفو وأمره بالعرف، وإعراضه عن الجاهلين، ودفعه السيئة بالتي هي أحسن، وخفضه الجناح للمؤمنين - من أعظم الخُلُق. وتخلق بهذا كله بما أدبه القرآن، واللّه أعلم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: الخلق العظيم: هو الإسلام، والإسلام هو الاستسلام والانقياد لأمر اللّه تعالى، وقد استسلم لذلك، وسلم الناس من لسانه ويده، ومن كل أنواع الأذى، وذلك من أعظم الخلق. والأصل أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كلف معاملة أعداء اللّه تعالى ومعاملة أولياء اللّه وأنصاره، وكلف أن يرفض الدنيا ويتزهد فيها، وكلف معاملة الصغير والكبير والعالم والجاهل والجن والإنس، وكلف معاملة نسائه، ومن كلف المعاملة مع هَؤُلَاءِ، لم يقم بها إلا بخلق عظيم، ورزقه اللّه تعالى خلقًا عظيمًا حتى احتمل المعاملة، وقام معهم بحسن العشرة، وحتى عوتب على عظيم خلقه بقوله: {عَفَا اللّه عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}، وبقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}، وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ}، وقال {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، فالذي حمله على هذه المشقة والكلفة العظيمة حسن خلقه وفضل شفقته ورحمته، فعظم خلقه أن خلقه جاوز قوى نفسه حتى ضعفت نفسه عن احتماله وكادت تهلك فيه، وغيره من الخلائق تقصر أخلاقهم عن قوى أنفسهم، وأنفسهم: تحتمل أضعاف ما هم عليه من الخلق وتضيق أخلاقهم عن ذلك، فهذا الذي ذكرنا هو النهاية في العظم، وباللّه التوفيق. |
﴿ ٤ ﴾