سُورَةُ الْمَعَارِجِبِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرِينَ) قرئ بتسكين الألف، ومعناه: سَالَ واد بعذاب واقع للكافرين، أي: جرى واد بعذاب واجب. والقراءة العامة بالهمزة من السؤال، وتأويله على سؤال القوم العذاب بقولهم: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، وقولهم: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا}. وقيل: هو النضر بن الحارث، سأل ذلك، فقتل يوم بدر بعدما أسر؛ هكذا قال بعض أهل التأويل. ولكن عندنا أن هذا وإن كان في الظاهر خارجًا مخرج السؤال، لكن لم يكن سؤاله هذا لينزل به العذاب في التحقيق، وإنَّمَا هذا منه على جهة الاستبعاد بالعذاب والاستهزاء برسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، والذي حملهم على الاستبعاد والإنكار هو أنه كان عند أهل مكة: أنه لو كان فيهم نبي، لكانوا هم أحق بالنبوة من رسول اللّه - عليه السلام - لأنهم هم الذي بسطت لهم الدّنيا، وهم الذين لهم نفاذ الكلام في البلاد، ورسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم تبسط له الدنيا، ولا كان لكلامه فيما بينهم نفاذ، فيظنون بهذا أنهم أقرب منزلة عند اللّه - تعالى - من النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه لا يستقيم في العقل أن يصل الولي إلى عدوه، ويحسن إليه ويدع صلة وليه ويجفوه، فهذا الظن الذي ذكرنا هو الذي حملهم على تكذيب رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يخبرهم من حلول العذاب بالتكذيب، وعلى الاستهزاء به، فكان سؤال السائل على جهة الاستبعاد والإنكار للعذاب، لا أن كانوا مقرين به ثمّ استعجلوه. وذكر أن أبا جهل قال يوم بدر: اللّهم انصر أبرنا قسمًا، وأوصلنا رحمًا، وأقرانا للضيف؛ فكان يدعو بهذا لما عنده: أنه أشرف حالًا وأعلى منزلة عند اللّه - تعالى - من مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأتباعه، ومن كان هذا شأنه، فهو أولى أن ينصر؛ قال اللّه - تعالى -: {وَإِذْ قَالُوا اللّهمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ}، ولو لم يكن عندهم أنهم أقرب منزلة وأحق أن يكونوا أولياء، وإلا لم يكونوا يجترئون أن يسألوا بهذا، فهذه الشبهة التي ذكرناها هي التي أورثت لهم ما ذكرناها من الظن، حتى زعموا أنهم أحق بالرسالة، وظنهم هذا يتولد من ظن إبليس، وذلك أن إبليس قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}؛ فظن أن أمر الفاضل للمفضول بالسجود في الخضوع له خارج عن حد الحكمة؛ فصار إلى ما صار إليه من الخزي واللعن، فكذلك هَؤُلَاءِ لما رأوا من نفاذ كلمتهم وسعتهم في الدنيا ظنوا أنهم أقرب إلى اللّه - تعالى - إذ التوسع عندهم دلالة الولاية والقرب. ثم سفههم هو الذي حملهم على التكبر على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وترك الخضوع، وإلا لو أعطوا النصفة من أنفسهم، لكان يجب أن يكونوا هم أطوع خلق اللّه - تعالى - لأن الواجب على من كثرت عليه النعم من آخر أن يكون هو أشكر للنعم، وأطوع له فيما يدعوه إليه من الذي قلَّت نعمه عليه، فإذا كانوا مقرين أن نعم اللّه عليهم أكثر، وإحسانه إليهم أوفر، أوجب ما ذكروا أن يكونوا هم ألزم لطاعته، وآخذ لما يأمرهم به، وكذلك إبليس اللعين إذا رأى لنفسه فضلا، وإنما استوجب ذلك بما أنعم اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - عليه، كان الحق عليه أن يتسارع إلى طاعته وينقاد لما أمر به، لا أن يظهر الخلاف من نفسه وترك الائتمار بأمره. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} أي: هو واقع بهم لا محالة في علم اللّه تعالى. أو {وَاقِعٍ} بمعنى: سيقع، كما يقال: قابل: أي: سيقبل. |
﴿ ١ ﴾