٤وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) يحتمل أن يكون معنى قوله: {تَعْرُجُ} ليس عن هبوط يصعد ويعرج، لكن أنشأهم كذلك معروجين؛ كقوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ}، أي: أنشأهم كذلك. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا}، ليس أنها كانت في موضع منحط فرفعها، لكنه كذلك خلقها مرفوعة؛ فعلى ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ}، أي: أنشأهم كذلك ليستعملهم {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}. ووجه آخر -وهو الأشبه بالآية-: وهو ما قالوا: إن الملائكة تعرج إليه؛ أي: إلى الموضع الذي منه أرسلهم إلى أنواع الأمور في يوم لو قدر ذلك العروج بعروج البشر وسيرهم، لكان مقدار خمسين ألف سنة. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، وقال في موضع آخر: {أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، فيحتمل أن يكون هذا الوقت وقت تقدير عروج الملائكة وصعودهم، وهو أن البعض ينزل منهم، ثم يعرج في يوم واحد، مقدار ذلك المسير ألف عام، والبعض منهم ينزل ويعرج في يوم واحد مسيرة خمسين ألف سنة؛ فيكون في هذا إبانة أن ليس أهل سماء أحق أن يدور عليهم تدبير أهل الأرض من أهل سماء؛ بل ينزل أهل سماء إلى أهل الأرض مرة؛ لما يراد من تدبير، وينزل أهل سماء أخرى بتدبير آخر، ثم من أي سماء يرسل، فهو يصعد إلى تلك السماء في يوم واحد، إن أرسل من السماء السابعة أو السادسة أو الأولى، فهو يصعد إليها في ذلك اليوم، فيكون في هذا تبيين قوة بعض الملائكة على بعض: أن فيهم من يسير مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد، وفيهم من يسير مسيرة ألف سنة، ومن قدر على أن يخلق في خلق من خلائقه من القوة ما يقطع هذه المسافة في يوم واحد، لا يحتمل أن يعجزه شيء؛ فيكون في ذكر هذا تحقيق كون ما به هول أمر القيامة والبعث. وجائز أن يكون قوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} راجعا إلى يوم القيامة، فذكر في موضع أن مقداره ألف سنة، وذكر هاهنا أن مقداره خمسين ألف سنة، والأصل أن ذلك اليوم ليس بذي حد ولا له غاية ينتهى إليها، فما يخبر من الحد فيه، فهو يخرج مخرج تعظيم ذلك اليوم؛ ليقع به التهويل والتقريع، فبأي شيء يعظم ذكره في القلوب يذكره؛ فمرة ذكره بالخلود، وهو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}، ومرة قال: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}، ومرة قال: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، ومرة قال: {أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، إذ هذه الأشياء مما يعظم ذكرها في القلوب، وكذلك الألف هي عظيمة في القلوب، فإذا كانت هذه الأشياء يعظم ذكرها في القلوب فذكر الشيء الواحد من الجملة أو ذكر الأشياء يقتضي معنى واحدا. ومنهم من يصرف الألف إلى تقدير عروج الخلائق إلى السماء في ذلك اليوم، ويصرف قوله: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} إلى تقدير المقام للحساب قبل أن يدخلوا النار. وجائز أن يكون تأويله على ما ذكره بعض أهل التفسير، وهو أن اللّه تعالى لو جعل حساب الخلق يومئذ إلى الخلق، فتكلفوا أن يفرغوا من حسابهم، لن يفرغوا منه إلا في مقدار خمسين ألف سنة، لكن اللّه تعالى بلطفه يحاسبهم حسابا يفرغون منه في أدنى في وقت حتى يصير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار في النار؛ على ما جاء في الأخبار، وذلك قوله: {وَاللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ}. فَإِنْ قِيلَ في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، أن كيف قدر ذلك بصعودنا، ونحن لم يمكن لنا من الصعود، ولم ننشأ على ما في طبعنا إنشاء الصعود حتى ننظر: أنه ألف سنة أو أقل أو أكثر. وجوابه أن يقال: إن تأويله - واللّه أعلم -: أنه لو بسط ما بين السماء والأرض، وصار بحيث يمكن السير عليه، لم يقطع ذلك المسير إذا احتجنا إلى قطعه إلا بألف سنة مما تعدون. وجائز أن يكون تأويله: أن لو جُعل لنا إلى السماء بابٌ، وفتح، وظللنا نعرج إليها لم نتوصل إليها إلا في ألف عام. |
﴿ ٤ ﴾