سُورَةُ نُوحٍ عليه السلام

مَكِّيَّة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

في ذكر نبأ نوح - عليه السلام - دلالة رسالته وأَية نبوته؛ لما ذكرنا: أن هذا لم يكن من علمه، ولا علم قومه، ولم يختلف النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى من عنده علم به فتعلمه منه، فعلم أنه باللّه تعالى علمه لا بأحد من خلقه؛ فيكون فيه إلزام الحجة عليهم، وفيه إعلام رسول اللّه - عليه السلام - ما لقي نوح - عليه السلام - من قومه؛ ليصبره بذلك على أذى قومه؛ إذ السورة مكية.

ثم أمره بالإنذار، ولم يذكر معه البشارة، فكذلك قال نوح - عليه السلام - {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} ولم يقل: بشير، وقد كان هو بشيرا ونذيرا، فجائز أن يكون اقتصر على ذكر النذارة؛ لأن في ذكرها ذكر البشارة؛ وذلك أنهم إذا استوجبوا العذاب إذا داموا على ما هم فيه من الضلالة وعبادة غير اللّه تعالى، فهم إذا انتهوا عن ذلك استوجبوا العفو، واستيجاب العفو وقوع البشارة، فإذا كان ذكر أحد الوجهين يقتضي ذكر الوجه الآخر، اكتفي بذكر أحدهما عن ذكر الآخر.

وجائز أن يكون خص النذارة بالذكر؛ لأن الحال كانت حال الإنذار؛ لأنهم كانوا معرضين عن طاعة اللّه تعالى ومقبلين على عبادة غيره، فكانوا مستوجبين للنذارة، ولم يكونوا من أهل البشارة، وإنما يصيرون من أهلها إذا انتهوا عما هم عليه؛ فيكون قوله: {أَنْذِرْ قَومَكَ} إن داموا على ما هم عليه، وفي هذا دلالة على أن المرء إذا أخذ غير طريق الهدى، فالسبيل فيه أن يفسد عليه مذهبه، ثم إذا ظهر فساده عنده، أمره باتباع سبيل الهدى وبين له الحجج والدلائل؛ لينجع فيه ذلك، ليس أن يحتج عليه بالحجج التي هي

حجج مذهب الحق قبل أن يبين له فساد ما هو فيه؛ فإن ذلك لا ينجع فيه، ولا يدعوه إلى قبول الحق والتزامه، بل يبين له قبح ما هو فيه وفساد ما اعتقده، فإذا بأن له ذلك يحتاج إلى أن يسأله عن سبيل الهدى فيه؛ ليعرفه بالتعلم.

ثم الأصل أن الدنيا هي سبيل الآخرة، والضلال سبيل يفضي بمن سلكه إلى العذاب الدائم، والهدى سبيل يفضي إلى الثواب الدائم، فالنذارة هي تبيين ما ينتهي إليه عاقبة من يلزم الضلال، والبشارة هي تبيين ما ينتهي إليه عاقبة من يلزم الهدى.

وإن شئت قلت: إن النذارة هي أن يبين عسر ما يحل به في العاقبة، والبشارة هي أن يثبته بما يصير إليه في العاقبة من اليسر.

ثم في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} دلالة أن حجة الإسلام تلزم الخلق قبل أن يأتيهم النذير؛ لأنه لو كانت لا تلزمهم، لكانوا في أمن من نزول العذاب قبل أن يأتيهم النذير؛ فلا يخوفون بنزل العذاب بهم قبل أن ينذروا، فلما خوفوا بنزول العذاب بهم قبل أن يأتيهم النذير دل أن الحجة لازمة عليهم، وأن للّه تعالى أن يعذبهم لتركهم التوحيد وإن لم يرسل إليهم الرسل، فيكون تأويل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، على عذاب الاستئصال في الدنيا ليس على عذاب الآخرة، واللّه أعلم.

﴿ ١