٦وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦): قال مجاهد والحسن: تأويله: ألا تستكثر عملك، فتمن به على ربك؛ على التقديم والتأخير. فإن كان التأويل هذا، فالمراد من الخطاب غير رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وإن كان هو المذكور في الخطاب؛ إذ لا يتوهم أن يكون رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يمن على ربه، ولا أن يستكثر عمله للّه تعالى؛ لأن هذا النوع من الصنيع لا يفعله واحد من العوام الذي خُصَّ بأدنى خير؛ فكيف يتوهم على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؟! ولأن الامتنان على اللّه تعالى من فعل المنافقين؛ قال اللّه تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ}. ويجوز أن يكون الخطاب له، وإن كان هو معصوما من ذلك؛ لقوله: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللّه إِلَهًا آخَرَ}، ونحوه، وهذا كما ذكرنا أن العصمة لا تمنع وقوع النهي؛ إذ العصمة لا ينتفع بها إلا مع ثبات النهي، فإذا لم يكن فلا فائدة في العصمة. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، أي: لا تعطيه عطية تلتمس بها أفضل منها في الدنيا من الثواب، نهى عن اكتساب الأسباب التي يتوصل بها إلى استكثار المال في الدنيا من التجارة وغيرها، إلا القدر الذي لا بد له منه، وتقع إليه الحاجة؛ ألا ترى إلى قوله: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}، فإذا نهى عن مد عينيه إلى ما متعوا؛ ففي اكتساب أسباب المال أحق؛ ثبت أن اللّه تعالى نهاه عن اكتساب ذلك وجمعه، وجعل رزقه - عليه السلام - من الوجه الذي لا يبلغه حيل البشر، وهو الفيء والغنيمة، ثم نهى عن إمساكه وادخاره لنفسه؛ بل أمر أن يصرفه في أمته بقوله - عليه السلام -: " ما لي من هذا المال إلا الخمس، والخمس مردود فيكم " وقال اللّه - عز وجل -: {مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَللّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى. . .} الآية، وذكر أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان لا يدخر لغد، وقال تعالى: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ)؛ فثبت أنه كان منهيا عن اكتساب الأسباب التي يتوصل بها إلى اكتساب الأموال، وإلى الجمع؛ فنهي عن العطايا التي يلتمس بها أفضل منها في الدنيا، واللّه أعلم. |
﴿ ٦ ﴾