١١وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١). ذكر أن هذه الآية نزلت في شأن الوليد بن المغيرة، والأصل أن الأنباء التي ذكرت عن الأنبياء المتقدمة في المخاطبات التي جرت بينهم وبين الفراعنة فيها إبانة أنها جرت بينهم وبين الآحاد منهم، وذلك أن فرعون كل نبي كان واحدا، وكان من سواه يصدر عن رأيه، وينتهي إلى تدبيره؛ فكان يستغني عن مخاطبة من سواه، وقد كثرت فراعنة نبينا - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فكان كل واحد منهم يدعي الرياسة لنفسه، ويمتنع عن متابعة غيره، والصدور عن رأيه والانقياد له، منهم أبو جهل، ومنهم الوليد بن المغيرة، ومنهم أبو لهب، وغيرهم؛ فكان رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يحتاج إلى أن يخاطب كلا في نفسه، ومن احتاج إلى مخاطبة أقوام، وإجابة كل واحد بحياله، كان الأمر عليه أصعب من الذي احتاج إلى مخاطبة واحد؛ ففي هذا أن المحنة على رسولنا - عليه الصلاة والسلام - كانت أكبر مما امتحن بها من تقدمه من الرسل، عليهم السلام. ثم قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} فيه أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يمنعه عن شيء حتى يقول له: {ذَرْنِي}، ولكن هذا الكلام مما يتكلم به على الابتداء من جهة إظهار القوة؛ يقول الرجل لآخر: " خل بيني وبين فلان "، و " دعني وإياه " من غير أن يكون سبق منه المنع؛ فيريد به إظهار القوة من نفسه: أنه كافيه، وقادر على دفع شره عن نفسه؛ فيكون في قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} دعاء من اللّه تعالى إياه إلى ألا يتعرض له، ولا يجازيه بصنيعه؛ فإن اللّه تعالى يكفيكه، ويدفع عنك شره. أو يكون فيه نهي عن أن يدعو عليه بالهلاك والثبور، ويصبره إلى أن يأتيه أمر اللّه تعالى؛ فيكون في هذا مسلاة لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وذلك أن المتنازعين إذا تنازعا في شيء، وحدث بينهما شر، فانتصب ثالث في نصر أحدهما خف الأمر على المنصور، ويفرح لذلك، ويسلو به، فإذا كان اللّه تعالى هو الذي يقوم بنصر المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ويكفيه عن عدوه، كان ذلك أكثر في التسلي والتفرج؛ فيكون في هذا تمكين من الصبر الذي دعي إليه بقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، وبقوله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ. . .} الآية. ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {خَلَقْتُ وَحِيدًا} أن يحتمل وجهين: أحدهما: أي: خلقته وحدي، ولم يكن لي في الخلق ناصر ومعين ولا مشير. وجائز أن يكون معناه: أي: خلقته وحيدا، لا مال له، ولا ولد؛ فيكون في هذا وعيد وتخويف لذلك اللعين، أي: كيف لا يخاف أن يعاد إلى الحالة التي كان عليها يوم خلق بلا مال ولا ناصر؛ كقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. |
﴿ ١١ ﴾