١٥وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥). فجائز أن يكون طمعه منصرفا إلى الزيادة في الآخرة؛ كقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فحسبوا أنهم إذا ساووا أهل الإيمان في الدنيا يساوونهم في الآخرة لو كانت الآخرة حقا؛ فكذلك هذا اللعين حسب أنه يبسط عليه نعيم الآخرة كما بسط عليه نعيم الدنيا؛ فكان قوله: (كَلَّا ... (١٦) ردَّا عليه. فإن كان على هذا، ففيه أعظم الدلالة على إثبات رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه أخبر أن ليس له نصيب في الآخرة؛ وإنَّمَا يحرم النصيب إذا ختم على الكفر كما قال، فكان. وهذا إخبار منه عن أمر الغيب، فصدق خبره، وخرج الأمر حقا كما قال؛ فثبت أنه باللّه تعالى علمه. وجائز أن يكون طمعه الزيادة في الدنيا؛ فقطع عليه طمعه بقوله: {كَلَّا}. وذكر أن ماله بعد نزول هذه الآية أخذ في الانتقاص إلى أن أهلكه اللّه تعالى، ولم يزد شيئا؛ فيكون في هذا - أيضا - ما في الأول من إثبات الرسالة. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا}: في هذا تصبير لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن اللّه تعالى أكثر نعمه عليه، ثم ذلك الملعون مع كثرة نعم اللّه عليه وإحسانه إليه، عاند، ولم يطعه في أوامره؛ فكيف ترجو أنت منه في معاملته إياك مع معاملتك إياه بما يخالف مراده وهواه؟ فيكون فيه ما يدعوه إلى الصبر. والعناد: هو مخالفة الحق عن علم بظهور الحق؛ فيكون قوله: {إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا}: أنه بعد علم وإحاطة ويقين عاند آيات اللّه، وخالف أمر رسوله، واستكبر. والمكابر هو الذي يكابر عقله، فيخالف ما يثبته عقله بالأقوال أو بالأفعال. ثم في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا} إبطال قول من قال: إن اللّه تعالى لا يفعل بعباده إلا ما هو الأصلح لهم؛ لأن قوله: {أَنْ أَزِيدَ} لا يخلو إما أن تكون الزيادة التي كان يطمعها خيرا له، وفي شرط اللّه - تعالى - عندهم أن يزيده، وفي قوله: {كَلَّا} قطع طمعه للزيادة؛ فيصير بحرمان الزيادة عنه جائرًا؛ فكيف حصل آية رسالته من الوجه الذي هو جور عندكم. وإن كان حرمان الزيادة خيرا له وأصلح؛ فكيف جعل الحرمان - أيضا - علما لنبوته، وكان عليه أن يحرمه على زعمكم. وفي قراءة عبد اللّه بن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: (ثم يطمع أن يزيد). |
﴿ ١٥ ﴾