١٧

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧):

جائز أن يكون على تحقيق الصعود، وهو العقبة التي يشتد الصعود عليها؛ كما ذكره بعض أهل التأويل، فيكلف الصعود عليها.

وجائز أن يكون على التمثيل؛ وذلك لأن الصعود في الشاهد مما يشق على المرء، والهبوط مما يسهل على المرء الانحدار عنه.

فإن كان على هذا، ففيه أنه يصيبه في الآخرة مما يشتد ويشق على نفسه تحمل ذلك.

ثم يقال للمعتزلة في هذه الآية وفي قوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}: إن في هذا وعيدا من اللّه تعالى بأن يصليه سقر، وسيرهقه صعودا، فأراد اللّه تعالى أن يصدق خبره، وينجز وعده، أو أراد أن يكذب خبره، ويخالف وعده؟

فإن قلتم بالثاني، فقد نسبتموه إلى الكذب، وإلى خلف الوعد؛ ومَن هذا وصْفُه فهو سفيه جاهل، لا يصلح أن يكون إلها.

وإن قلتم: بلى، أراد أن يصدق خبره، وينجز وعده، قلنا لكم: أراد أن ينجز وعده مع دوامهم على الكفر، أو عند انقلاعهم عنه؟

فإن زعمتم أنه إنما أراد أن يصليهم سقر على الخروج من الكفر، فهذا منه جور؛ لأنه

يصليهم سقر بشيء لا إرادة لهم فيه.

وإن سلمتم أنه أراد إصلاءهم سقر إذا داموا على الكفر واستقروا عليه، فقد لزمكم أن تقولوا: إن اللّه تعالى أراد من كل أحد ما علم أنه يختاره، ويكون منه.

ويقال لهم: إن اللّه تعالى يقول: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}، ولو كان الأمر على ما زعمتم: أنه يريد من كل كافر أن يسلم، ويؤمن به، ويريد الكافر أن يكفر به، ويعاديه، فإذن قد أراد أن يكون له ولي من الذل؛ لأنه يريد أن يواليه مع اختيار الكافر في معاداته، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا.

﴿ ١٧