٢٨

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) معناه - واللّه أعلم -: أن هذا القرآن ذكر لمن شاء أن يستقيم من العالمين، فهو في نفسه ذكر وآيات وهدى، ولكن ينتفع بهذا الذكر من شاء الاستقامة، ويهتدي به من طلب الهداية؛ قال - تعالى -: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، وهو في نفسه هدى، ولكن يهتدي بهداه المتقون، ومن ليس بمتقٍ فهو عمى عليه ورجس،

وقال: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ}، وهو كان ينذر من اتبع ومن لم يتبع، ولكن معناه: أنه ينتفع بالذي تنذر به من اتبع الذكر،

وقال: آيات لأولي الأبصار، وهي في أنفسها آيات، ولكن ينتفع بآياته أولو الأبصار.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يحمل على تحقيق المشيئة، ويكون تأويله: أن من أراد الاستقامة على أمر اللّه - تعالى - أو على الحق، فهذا الذكر -وهو القرآن- يقيمه على الحق وعلى الأمر، ويهديه إلى ذلك.

أو أن يكون هذا على تحقيق الفعل؛ فيكون معناه: من استقام منكم على الحق والأمر فهو ذكر له.

والأصل أن المشيئة وصف فعل كل مختار، وإذا كان هكذا، صارت المشيئة مقترنة بالفعل، فإذا فعل فقد شاء؛ فكان في إثبات الفعل إثبات المشيئة؛ لذلك استقام حمله على ما ذكرنا، وهو أن يجعل أحدهما كناية عن الآخر.

﴿ ٢٨