٤وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤): قالوا: على هذا وقع القسم، فَإِنْ قِيلَ: إن كلا يعلم من كافر ومؤمن أن سعيهم لمختلف؛ فما الحكمة والفائدة من ذكر القسم على ما يعلم كل ذلك؟ فالوجه فيه - واللّه أعلم -: أن ما يقع لهم بالسعي، وما يستوجبون به لمختلف في الآخرة، وهو جزاء السعي؛ كأنه قال: إن جزاء سعيكم وثوابه لمختلف، وذلك أنهم كانوا يقولون: إن كانت دار أخرى على ما يقوله مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - فنحن أحق بها من أتباع مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كقوله: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا}. أو يكون قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}؛ لأن المعطي في الشاهد ينفع غيره، ويضر نفسه في الظاهر، والممسك ينفع نفسه، ثم المعطي محمود عند الناس؛ فلو لم يكن عاقبة ينتفع المعطي بما أعطى، ويضر البخيل المنع، لكان الناس بما حمدوا هذا وذموا الآخر سفهاء؛ فدل أن العاقبة هي التي تصير هذا محمودا. ولأن الخلق جميعا من مسلم وكافر، ومحسن ومسيء، قد استووا في نعم هذه الدنيا ولذاتها مما ذكرنا من ممر الليل والنهار ومما يخلق فيها من النبات والثمار والعيون والأشجار، فإذا وقع الاستواء في هذه الدار، وبه وردت الأخبار عن النبي المختار أن الناس شركاء في الماء والكلأ والنار - لا بد من دار أخرى للأشقياء والأبرار؛ ليقع بها التفاوت بين الأبرار والأشرار، والنافع منهم نفسه والضار، وإذا ثبت أنهما استويا في منافع الليل والنهار، وجميع ما في الدنيا من الأنزال وغيرها، فإذا وقع الاستواء بينهم في الدنيا لا بد من دار أخرى فيها يقع التفاوت والتفاضل بينهم، وفيها يميز بين ما ذكرنا. |
﴿ ٤ ﴾