سُورَةُ {أَلَمْ نَشْرَحْ}

وهي مَكِّيَّة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.

المخاطب في هذه السورة من اللّه - تعالى - رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاطبه إياه؛ حيث قال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} إلى ما ذكر.

والمخاطبة في سورة الضحى إنما كانت من غير اللّه - تعالى - إياه، كان جبريل - عليه السلام - خاطبه في ذكر منن اللّه تعالى إياه، وذكر نعمه ألا ترى أنه قال: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}، ولم يقل: ما ودعناك.

ويجوز أن يكون الخطاب في سورة {وَالضُّحَى} من اللّه على المغايبة؛ كما يقال: إن أمير المؤمنين يقول كذا، ويريد نفسه.

ثم اختلف في قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}:

قَالَ بَعْضُهُمْ: شرح صدره للإسلام؛ كقوله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}.

أخبر أن من شرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه.

والشرح، قيل: هو التليين، والتوسيع، والفتح، أي: ألم نوسع لك صدرك ونفتح ونلين للإسلام.

وقد روي في الخبر أنه لما نزل هذا، قيل: يا رسول اللّه، وهل لذلك من علامة؟ فقال: " بلى، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله ".

لكن يعرف ذلك من رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بطريق الحقيقة، ويظهر منه ذلك باليقين، فأما من غيره فإنما يعرف التجافي من دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود بالتقارب، وغالب الظن؛ لأن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانت له الآخرة لا محالة، وأمورها كالمشاهدة والمعاينة، وكذلك جميع الأنبياء والرسل - عليهم السلام - فأما لغيرهم فلا نحكم بذلك؛ فلا يبلغ ذلك، وهو كما ذكر أن رؤيا الأنبياء كالعيان، أي: تعرف بطريق اليقين، بخلاف رؤيا غيرهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: شرح صدره؛ لأنه لما كلف بتبليغ الرسالة إلى الجن والإنس وإلى الفراعنة والجبابرة الذين همتهم إهلاك من يخالفهم، والإقلاع عن عبادة من يعبد اللّه ضاق صدره لذلك، وثقل على قلبه؛ فوسع اللّه صدره وشرحه حتى هان ذلك عليه وخف، وهو قول أبي بكر الأصم، إلا أنه يقول: فعل ذلك به، وحقق بالآيات والحجج، ونحن نقول باللطف منه، حتى قام بوفاء ما كلف وأمر، أما هو لا يقول باللطف والاختصاص للبعض دون البعض؛ لقوله بالأصلح.

ويحتمل أن يكون ما ذكر من شرح صدره وتوسيعه هو ما ذكر في قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وخلقه كان يجاوز وسعه وطاقته؛ حتى كادت نفسه تهلك لمكان كفر أُولَئِكَ، وما يعلم أنه ينزل بهم؛ إشفاقا عليهم، ورحمة، كقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} الآية،

وقوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ. . .} الآية، وغير ذلك من أمثال هذا، وذلك - واللّه أعلم - ما وصف من خلقه أنه عظيم، فوسع صدره وشرحه حتى يخفف ذلك عليه؛ حيث قال له: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ. . .}،

وقال: {وَلَا تَحْزَن عَليهِم} الآية.

وقال الحسن في قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}: بلى، قد شرح له صدره، وملأه علما وحكمة.

ثم قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} إلى آخر ما ذكر، إن كان المخاطب به رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو المعنيُّ والمراد به، فتأويل السورة يخرج على ما ذكرنا من تيسير الأمر عليه،

وتخفيف ما حمله عليه وأمر به.

﴿ ١