سُورَةُ اقْرَأْوهي مَكِّيَّة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}: ذكر أهل التأويل أن هذه أول سورة نزلت على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأول وحي أوحي إليه. وقيل: غير هذه هي الأولى. ثم الإشكال أنه أمره بأن يقرأ باسم ربك الذي خلق، وحق هذا ونحوه إذا قيل له: اقرأ، أو افعل: ألا يقول مثل ما قيل له: اقرأ أو افعل؛ لأنه أمر في الظاهر إنما يكون عليه الائتمار بذلك، وكذلك قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، وكذلك على هذا قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ. . .}، وأمثال ذلك، يجب ألا يقول هو مثل ما قيل له: {قُلْ}، أو: {اقْرَأْ}، ولكن يقول: " يَا أَيُّهَا الكافرون "، ويقول: " هو اللّه أحد "، " أعوذ برب الفلق "، " أعوذ برب الناس "، هذا هو وجه الكلام ومعناه. وجوابه أنه يحتمل وجوها: أحدها: أنه أريد بهذا أن يكون قرآنا يقرأ هكذا في حق القراءة يبقى، ويثبت في المصاحف إلى آخر الدهر؛ ليعلم كيف قيل لرسول اللّه؟ وكيف أوحي إليه؟ وأنه لم يترك مما قيل له حرفا واحدا؛ ليكون حجة لرسالته وآية لنبوته، واللّه أعلم. ويحتمل أن يكون كذلك على خلاف المفهوم من كلام الناس؛ لئلا يكون المفهوم من وحي السماء والمنزل منها كخطاب بعض بعضا، ولكن خلاف المفهوم منه. والثاني: أن يكون الخطاب منه لكل أحد، ومن كل أحد لآخر، خاطب جبريل - عليه السلام - رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - به، وأمره أن يقرأ، ثم يأمر رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - غيره بذلك، وذلك الغير يقول لآخر كذلك؛ فيكون الخطاب منه لكل أحد، ومن كل أحد لآخر، واللّه أعلم. وقوله - تعالى -: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} يحتمل أن يريد به أي: افتتح القراءة باسم ربك على ما جعل افتتاح كل شيء باسم الرب - تعالى - لينال بركة ذلك فيه. والثاني: أن يكون ما ذكر على أثر اسم ربه، هو تفسير اسم ربه؛ حيث قال: (الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ)؛ فيكون هذا تفسيرا لما ذكر من اسم ربه. أو يكون قوله: {بِاسْمِ رَبِّكَ} كما يقال: " أسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت "، وذلك الاسم مكتوم بين أسمائه. ثم قوله: {بِاسْمِ رَبِّكَ} يخرج إضافته إليه مخرج التعظيم لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وخصوصيته له؛ على ما ذكرنا أن إضافة خاصية الأشياء إلى اللّه - تعالى - تخرج مخرج تعظيم ذلك الخاص، من ذلك قوله: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ}، و {نَاقَةُ اللّه}، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه}، ونحو ذلك من إضافة خاصية الأشياء إليه، وإضافة كلية الأشياء إلى اللّه - تعالى - تخرج مخرج تعظيم الرب والمحمدة له، نحو قوله: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، و {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، و {رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}. ثم لا يجوز إضافة الخاص الذي لا خصوصية ظهرت له إلى اللّه - تعالى - لا يجوز أن يقال: يا رب زيد، ويا رب عمرو، ونحو ذلك؛ إنما يجوز ذلك فيمن ظهرت له خصوصية وفضل من الأنبياء والرسل والملائكة، عليهم السلام، والبقاع والأمكنة التي ظهرت لها خصوصية وفضل؛ ليكون ذلك تعظيما لها، واللّه أعلم. |
﴿ ١ ﴾