سُورَةُ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)، أي: شغلكم التفاخر بالتكاثر، ثم لم يقل: عماذا شغلتم؟ فيجوز أن يكون {أَلْهَاكُمُ}، أي: شغلكم التكاثر عن توحيد اللّه - تعالى - أو عن التفكر في حجج رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أو عن ذكر البعث. ثم قوله - تعالى -: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون الغرض من الخطاب بهذه الآية: آباءهم وسلفهم الذين تقدموا بالإخبار عن قبح صنيعهم واشتغالهم بالسفه؛ فيكون هذا صلة آيات أخر، من نحو قوله - تعالى -: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}، وغير ذلك؛ فكأن اللّه - تعالى - يخبرهم بآبائهم، ونهاهم عن الاقتداء بآبائهم؛ لأنهم تعاطوا أفعالا تخرج عن الحكمة حتى ماتوا، وذلك يقع من وجهين: أحدهما: أن من أنعم عليه نعمة، فجحدها، ولم يؤد شكرها، استوجب المقت والعقوبة؛ يقول: كيف تقتدون بآبائكم، وإنهم كفروا بنعمة اللّه، وجحدوا بها، بل الواجب عليكم أن تتبعوا النبي الذي جاء بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم. والثاني: أن يكون فيه علامة ودلالة للبعث: أن آباءهم لما فعلوا ما يستوجب به المقت والعقوبة، وماتوا من غير أن يصيبهم ذلك في دنياهم: أن لهم دارا أخرى يعاقبون فيها بما فعلوا. وإن كان الخطاب إنما انصرف إليهم، ففيه إخبارهم عن سفههم: أنه شغلهم التفاخر بالتكاثر حتى جحدوا آيات رسوله، عليه السلام. أو أن يكون فيه إخبار عن سفههم من وجه آخر، وهو أن الافتخار كيف وقع بالأموات، والتفاخر بالأموات غير مستقيم. أو يكون فيه وجه ثالث: إنما تفاخروا بما لا صنع لهم فيه؛ لأنهم: إنما افتخروا بالأموال والأولاد، وذلك من لطف اللّه - تعالى - وجميل صنعه؛ فيكون في هذا كله ذكرهم بما فيهم من السفه والخرق. ثم التعيير بذكر هذه الأسباب إنما وقع - واللّه أعلم - دون ما هم فيه من الكفر؛ لأن هذه الأسباب مما يبتلى به المؤمن في بعض الأحوال؛ فعيرهم اللّه - تعالى - بذلك؛ ليكون فيه تذكير وموعظة للمؤمنين، ولو خرج ذكر الكفار في هذا، لكان لا يجتنب المؤمن شيئا من هذه الأفعال. وقد روي أن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، فقال: " يقول ابن آدم: مالي، مالي، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت. . . " الخبر؛ فهذا يدل على أن الوعيد على الإطلاق من غير تصريح بأهل الكفر؛ لموعظة المسلمين، واللّه أعلم. |
﴿ ١ ﴾