سُورَةُ الْفِيلِوهي مَكِّيَّة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}، اختلفوا في السبب الذي به وقع القصد من أصحاب الفيل إلى تهديم البيت وتخريبه. فمنهم من قال: إنهم اتخذوا بيتا في بلادهم، وسموه: كعبة؛ لكي ينتاب الناس إليه كما ينتابون إلى الكعبة، فأبي الناس إتيان ذلك البيت؛ فغاظهم ذلك حتى قصدوا تهديم البيت. ومنهم من قال: إن العرب حرقوا بيعة كانت لهم، وخربوها؛ فغاظهم ذلك حتى أرادوا تهديم هذا البيت؛ جزاء بما فعلت العرب بهم. ومنهم من قال: إنهم كانوا ملوكا وفراعنة، ومن عادتهم أنهم يعادون من ضادهم في ملكهم وسلطانهم. وأي ذلك كان، فلا حاجة إلى معرفته، وإنما حاجتنا إلى تعريف المعنى الذي به أنزلت السورة وثبتت. وتأويل ذلك يخرج على أوجه ثلاثة: أحدها: أن اللّه - تعالى - ذكرهم تلك النعمة التي أنعمها عليهم في صرف من أراد إهلاكهم؛ فإنهم كانوا قصدوا قتل أهل مكة، وسبي نسائهم وذراريهم، وأخذ أموالهم؛ فذكرهم اللّه - تعالى - جميل صنعه بهم؛ ليشكروا له، ويعبدوه حق عبادته، وينزجروا عن عبادة غيره. والوجه الثاني: أن اللّه - تعالى - خوف أهل مكة. ووجه ذلك: أن اللّه - تعالى - لما أهلك أصحاب الفيل بما ضيعوا حرمة بيته؛ فلا يأمن أهل مكة من إهلاكه إياهم وتعذيبهم بما ضيعوا حرمة رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مع أن حرمة الرسول أعظم من حرمة البيت، فلما نزل بأُولَئِكَ ما نزل لما جاء منهم من تضييع حرمة بيته؛ فلأن تخشى عذابه ونقمته من تضييع حرمة رسوله أولى. والوجه الثالث: أن اللّه - تعالى - أهلك أُولَئِكَ لما أراهم من آياته فلم ينصرفوا؛ لأنه ذكر أنهم كانوا إذا وجهوا الفيل نحو البيت امتنع ووقع، وإذا وجهوه نحو أرضهم هرول وسارع، فلما رأوا ذلك، ولم ينصرفوا أهلكهم اللّه - تعالى - فلا يؤمن على أهل مكة - أيضا - أنهم لما رأوا الآيات المعجزة من الرسول - عليه السلام - فلم يؤمنوا، أن يهلكهم اللّه - تعالى - فينتقم منهم بعقوبته؛ فعلى ما ذكرنا يخرج معنى نزول السورة. وقيل: إنه على البشارة لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعلى الإشارة أنه لم يكن للبيت ناصر في ذلك الوقت ولا معين؛ بل كان وحده، فنصره اللّه - تعالى - حتى لم يتمكن أعداؤه من هدمه؛ فعلى ذلك ينصرك ويعينك، ويهلك عدوك، وإن كنت أنت وحدك؛ إذ كان وقت نزول هذه السورة لم يكن له كثير أعوان، وقد فعل ذلك يوم بدر. ثم قوله: {أَلَمْ تَرَ} حرف استعمل في تذاكر أعجوبة قد كانت، وعرفوها، ثم غفلوا عنها، أو فيما لم يكن؛ فيعجبهم بما فعل بأعدائه؛ ليحملهم على الزجر والانتهاء عما حرم اللّه - تعالى - فكأنه قال: رأيت ربك كيف فعل بأصحاب الفيل؟!. ويجوز أن يكون الخطاب منه للنبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، والمراد غيره. ويجوز أن يكون هذا خطابا لكل واحد منهم. ثم تسميتهم: أصحاب الفيل، ونسبة الفيل إليهم يحتمل وجهين: أحدهما: أي: الذي صحبوا الفيل. والثاني: {بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}، أي: أرباب الفيل؛ كما يقال: رب الدار، وصاحب الدار. ٢وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) أي: أبطل ما قدروه عند أنفسهم من تخريب البيت وتهديمه؛ فالكيد: ما ذكرنا بدءا. ٣وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) جماعات متفرقة، جماعة جماعة، وهكذا السنة في الخروج لمحاربة أعداء اللّه - تعالى - أن يخرجوا جماعة جماعة. وقيل: هي طير لم ير قبلها ولا بعدها مثلها، لها رءوس كالسباع. وقيل: شبيهة برجال الهند. ٤وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) اختلفوا في السجيل: قَالَ بَعْضُهُمْ: هو اسم موضع، خلقت حجارته؛ لتعذيب الفراعنة، وإهلاكهم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: فارسية معربة، وهي " سنك وكل "، وهو الآجر في التقدير. وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذه عبارة عن شدة الحجارة وقوتها. ٥وقوله: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) قالوا: العصف: هو ورق الزرع، أو ورق كل نابت. وقوله: {مَأْكُولٍ} ينحو نحوين، ويتوجه وجهين: إلى ما قد أكل وإلى ما لم يؤكل؛ إذ ما يؤكل إذا ما كان معدا للأكل، سمي: مأكولا، فإن كان غير المأكول، فكأنه قال: جعلهم في الضعف والرخاوة -مع قوتهم وسلطانهم- كعلف الدواب؛ حتى لا يخاف منهم بعد ذلك أبدا. وإن كان على المأكول فهو أنه تعالى جعلهم كالمأكول التي أكلتها الدواب؛ فيكون فيها ثقب، واللّه أعلم بالصواب. * * * |
﴿ ٠ ﴾